للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(قلت): وقد يتوهم كثير من الناس هذا القول، ويذكرون في ذلك حديثًا لا أصل له: "ما ترك القاتل على المقتول من ذنب" (١).

وقد روى الحافظ أبو بكر البزار حديثًا يشبه هذا ولكن ليس به فقال: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا عامر بن إبراهيم الأصبهاني، حدثنا يعقوب بن عبد الله، حدثنا عتبة بن سعيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله : "قتل الصبر لا يمر بذنب إلا محاه" (٢) وهذا بهذا لا يصح، ولو صح فمعناه: أن الله يكفر عن المقتول بألم القتل ذنوبه فأما أن تحمل على القاتل فلا، ولكن قد يتفق هذا في بعض الأشخاص وهو الغالب، فإن المقتول يطالب القاتل في العرصات، فيؤخذ له من حسناته بقدر مظلمته فإن نفدت ولم يستوف حقه، أخذ من سيئات المقتول، فطرحت على القاتل، فربما لا يبقى على المقتول خطيئة إلا وضعت على القاتل، وقد صح الحديث بذلك عن رسول الله في المظالم كلها (٣)، والقتل من أعظمها وأشدها والله أعلم.

وأما ابن جرير فقال: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن تأويله إني أريد أن تنصرف بخطيئتك في قتلك إياي وذلك هو معنى قوله: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي﴾ وأما معنى ﴿وَإِثْمِكَ﴾ فهو إثمه يعني قتله وذلك معصية الله ﷿ في أعمال سواه وإنما قلنا ذلك هو الصواب لإجماع أهل التأويل عليه وأن الله ﷿ أخبرنا أن كل عامل فجزاء عمله له أو عليه وإذا كان هذا حكمه في خلقه فغير جائز أن تكون آثام المقتول مأخوذًا بها القاتل، وإنما يؤخذ القاتل بإثمه بالقتل المحرم وسائر آثام معاصيه التي ارتكبها بنفسه دون ما ركبه قتيله (٤)، هذا لفظه، ثم أورد على هذا سؤالًا حاصله كيف أراد هابيل أن يكون على أخيه قابيل إثم قتله وإثم نفسه مع أن قتله له محرم؟ وأجاب بما حاصله أن هابيل أخبر عن نفسه بأنه لا يقاتل أخاه إن قاتله، بل يكف عنه يده طالبًا إن وقع قتل أن يكون من أخيه لا منه، قلت: وهذا الكلام متضمن موعظة له لو اتعظ، وزجرًا له لو انزجر، ولهذا قال: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ﴾ أي: تتحمل إثمي وإثمك ﴿فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾.

وقال ابن عباس: خوفه بالنار فلم ينته ولم ينزجر (٥).

وقوله تعالى: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٣٠)﴾ أي: فحسنت وسولت له نفسه وشجعته على قتل أخيه فقتله؛ أي: بعد هذه الموعظة وهذا الزجر.

وقد تقدم في الرواية عن أبي جعفر الباقر وهو محمد بن علي بن الحسين أنه قتله بحديدة في يده (٦).


(١) أشار الحافظ أنه لا أصل له، وقال أيضًا معناه صحيح (ينظر المقاصد الحسنة ص ٣٦٤).
(٢) أخرجه البزار كما في كشف الأستار (ح ١٥٤٥)، وقال البزار: لا نعلمه يروي عن النبي إلا من هذا الوجه، ولا نعلم أسنده إلا يعقوب، وضعفه الحافظ ابن كثير فقال: "لا يصح".
(٣) ينظر: صحيح مسلم حديث "أتدرون من المفلس؟ "، كتاب البر، باب تحريم الظلم (ح ٢٥٨١).
(٤) تفسير الطبري ١٠/ ٢١٦ - ٢١٧.
(٥) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عن ابن عباس به مطولًا.
(٦) تقدم بيان ضعفه قبل بضع صفحات.