للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو داود: حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني، حدثنا ابن وهب، حدثنا هشام بن سعد أن زيد بن أسلم حدثه عن ابن عمر قال: أتى نفر من اليهود فدعوا رسول الله إلى القف، فأتاهم في بيت المدراس، فقالوا: يا أبا القاسم، إن رجلًا منا زنى بامرأة فاحكم. قال: ووضعوا لرسول الله وسادة فجلس عليها، ثم قال: "ائتوني بالتوراة"، فأتي بها، فنزع الوسادة من تحته ووضع التوراة عليها، وقال: "آمنت بك وبمن أنزلك" ثم قال: "ائتوني بأعلمكم" فأتي بفتى شاب ثم ذكر قصة الرجم نحو حديث مالك عن نافع (١).

وقال الزهري: سمعتُ رجلًا من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه، ونحن عند ابن المسيب، عن أبي هريرة قال: زنى رجل من اليهود بامرأة فقال بعضهم لبعض: اذهبوا إلى هذا النبي فإنه بعث بالتخفيف، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند اللّه، قلنا: فتيا نبي من أنبيائك. قال: فأتوا النبي وهو جالس في المسجد في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم، ما تقول في رجل وامرأة منهم زنيا؟ فلم يكلمهم بكلمة حتى أتى بيت مدراسهم، فقام على الباب فقال: "أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ " قالوا: يحمم ويجبه ويجلد، والتجبيه أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما ويطاف بهما، قال: وسكت شاب منهم، فلما رآه رسول الله سكت، ألظ به رسول اللّه النشدة، فقال: اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم، فقال النبي : "فما أول ما ارتخصتم أمر اللّه"؟ قال: زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم، ثم زنى رجل في إثره من الناس فأراد رجمه، فحال قومه دونه وقالوا: لا نرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم، فقال النبي : "فإني أحكم بما في التوراة" فأمر بهما فرجما، قال الزهري: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا﴾ فكان النبي منهم، رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه (٢)، وابن جرير.

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن عبد اللّه بن مرة، عن البراء بن عازب، قال: مرّ على رسول الله يهودي محمم مجلود، فدعاهم، فقال: "أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ " فقالوا: نعم، فدعا رجلًا من علمائهم فقال: "أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ " فقال: لا واللّه، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا فكُنّا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا حتى نجعل شيئًا نقيمه على الشريف والوضيع، فاجتمعنا على التحميم والجلد، فقال النبي : "اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه" قال: فأمر به فرجم، قال: فأنزل اللّه ﷿: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ إلى قوله: ﴿يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ﴾ أي يقولون: ائتوا محمدًا فإن أفتاكم


(١) سنن أبي داود، الحدود، باب في رجم اليهوديين (ح ٤٤٤٩)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٣٧٣٩).
(٢) أخرجه أبو داود بسنده ومتنه، الحدود، باب في رجم اليهوديين (ح ٤٤٥٠)، وأخرجه الإمام أحمد من طريق الزهري به (المسند ١٣/ ١٨٢ ح ٧٧٦١)، وقال محققوه: صحيح لغيره.