للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْكَافِرُونَ﴾ قال: ليس بالكفر الذي تذهبون إليه (١).

ورواه الحاكم في مستدركه من حديث سفيان بن عيينة، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه (٢).

﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥)﴾.

وهذا أيضًا مما وبخت به اليهود وقرعوا عليه، فإن عندهم في نص التوراة أن النفس بالنفس، وهم يخالفون حكم ذلك محمدًا وعنادًا، ويقيدون النضري من القرظي، ولا يفيدون القرظي من النضري، بل يعدلون إلى الدية كما خالفوا حكم التوراة المنصوص عندهم في رجم الزاني المحصن، وعدلوا إلى ما اصطلحوا عليه من الجلد والتحميم والإشهار ولهذا قال هناك ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ لأنهم جحدوا حكم اللّه قصدًا منهم وعنادًا ومحمدًا، وقال ههنا ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ لأنهم لم ينصفوا المظلوم من الظالم في الأمر الذي أمر اللّه بالعدل والتسوية بين الجميع فيه، فخالفوا وظلموا وتعدوا على بعضهم بعضًا.

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا ابن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن علي بن يزيد أخي يونس بن يزيد، عن الزهري، عن أنس بن مالك أن رسول الله قرأها: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ﴾ نصب النفس ورفع العين (٣)، وكذا رواه أبو داود والترمذي والحاكم في مستدركه من حديث عبد اللّه بن المبارك، وقال الترمذي: حسن غريب (٤).

وقال البخاري: تفرّد ابن المبارك بهذا الحديث، وقد استدل كثير ممن ذهب من الأصوليين والفقهاء إلى أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا حكي مقررًا ولم ينسخ، كما هو المشهور عن الجمهور، وكما حكاه الشيخ أبو إسحاق الإسفراييني عن نص الشافعي، وأكثر الأصحاب بهذه الآية حيث كان الحكم عندنا على وفقها في الجنايات عند جميع الأئمة.

وقال الحسن البصري: هي عليهم وعلى الناس عامة، رواه ابن أبي حاتم.

وقد حكى الشيخ أبو زكريا النووي في هذه المسألة ثلاثة أوجه، ثالثها: أن شرع إبراهيم حجة دون غيره، وصحح منها عدم الحجية، ونقلها الشيخ أبو إسحاق الإسفراييني أقوالًا عن الشافعي، وأكثر الأصحاب ورجح أنه حجة عند الجمهور من أصحابنا، فاللّه أعلم.

وقد حكى الإمام أبو نصر بن الصباغ في كتابه "الشامل"، إجماع العلماء، على


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده حسن.
(٢) أخرجه الحاكم من طريق سفيان بن عيينة به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٣١٣).
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣/ ٢١٥)، وسنده ضعيف لأن علي بن يزيد مجهول (التقريب ٢/ ٤٥٢) وقال أبو حاتم: حديث منكر (العلل ح ١٧٣٠).
(٤) سنن أبي داود، الحروف والقراءات (ح ٣٩٧٦)، وسنن الترمذي القراءات، باب في فاتحة الكتاب ٢٩٢٩، ونقل كلام البخاري، والمستدرك ٢/ ٢٣٦.