للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاحتجاج بهذه الآية على ما دلت عليه، وقد احتج الأئمة كلهم على أن الرجل يقتل بالمرأة بعموم هذه الآية الكريمة، وكذا ورد في الحديث الذي رواه النسائي وغيره أن رسول اللّه كتب في كتاب عمرو بن حزم "أن الرجل يقتل بالمرأة" (١)، وفي الحديث الآخر "المسلمون تتكافأ دماؤهم" (٢)، وهذا قول جمهور العلماء، وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن الرجل إذا قتل المرأة لا يقتل بها إلا أن يدفع وليها إلى أوليائه نصف الدية، لأن ديتها على النصف من دية الرجل، وإليه ذهب أحمد في رواية، وحكي عن الحسن وعطاء وعثمان [النهدي] (٣) ورواية عن أحمد أن الرجل إذا قتل المرأة لا يقتل بها بل تجب ديتها، وهكذا احتج أبو حنيفة - رحمه اللّه تعالى - بعموم هذه الآية على أنه يقتل المسلم بالكافر الذمي، وعلى قتل الحر بالعبد، وقد خالفه الجمهور فيهما، ففي الصحيحين عن أمير المؤمنين علي قال: قال رسول اللّه : "لا يقتل مسلم بكافر" (٤) وأما العبد ففيه عن السلف آثار متعددة أنهم لم يكونوا يفيدون العبد من الحر، ولا يقتلون حرًا بعبد، وجاء في ذلك أحاديث لا تصح، وحكى الشافعي الإجماع على خلاف قول الحنفية في ذلك، ولكن لا يلزم من ذلك بطلان قولهم إلا بدليل مخصص للآية الكريمة.

ويؤيد ما قاله ابن الصباغ من الاحتجاج بهذه الآية الكريمة الحديث الثابت في ذلك، كما قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن أبي عدي، حدثنا حميد، عن أنس بن مالك أن الرُّبَيِّع عمة أنس، وكسرت ثنية جارية، فطلبوا إلى القوم العفو فأبوا، فأتوا رسول الله فقال: "القصاص"، فقال أخوها أنس بن النضر: يا رسول الله، تكسر ثنية فلانة، فقال رسول اللّه : "يا أنس كتاب اللّه القصاص" قال: فقال: لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنية فلانة، قال: "فرضي القوم فعفوا وتركوا القصاص"، فقال رسول اللّه : "إن من عباد اللّه من لو أقسم على اللّه لأبره" (٥) أخرجاه في الصحيحين (٦).

وقد رواه محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري في الجزء المشهور من حديثه، عن حميد، عن أنس بن مالك أن الرُبيّع بنت النضر عمته لطمت جارية فكسرت ثنيتها، [فعرضوا عليهم الأرش فأبوا، فطلبوا الأرش والعفو فأبوا] (٧) فأتوا رسول اللّه فأمرهم بالقصاص، فجاء أخوها أنس بن النضر فقال: يا رسول ، أتكسر ثنية الرُبيّع؟ والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فقال النبي : "يا أنس كتاب الله القصاص" فعفا القوم، فقال رسول اللّه : "إن من عباد الله من لو أقسم على اللّه لأبره" رواه البخاري عن الأنصاري بنحوه (٨).

وروى أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنا أبي، عن قتادة، عن


(١) (٢) تقدم تخريجهما في تفسير سورة البقرة آية ١٧٨.
(٣) كذا في الأصل، وفي نسخة (حم) و (مح): "البتّي".
(٤) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة آية ١٧٨.
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣/ ١٢٨)، وسنده صحيح.
(٦) صحيح البخاري، الجهاد، باب قول الله ﷿: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا … ﴾ [الأحزاب: ٢٣] (ح ٢٨٠٦)، وصحيح مسلم، القسامة، باب إثبات القصاص في الأسنان (ح ١٦٧٥).
(٧) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل: "فعرضوا عليهم الأرض". وفيه تصحيف وسقط.
(٨) صحيح البخاري، الصلح، باب الصلح في الدية (ح ٢٧٠٣).