للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (١٠٨)[الإسراء] أي: إن كان ما وعدنا الله على ألسنة رسله المتقدمة من مجيء محمد ﴿لَمَفْعُولًا﴾؛ أي: لكائنًا لا محالة ولا بد.

وقوله تعالى: ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ قال سفيان الثوري وغيره، عن أبي إسحاق، عن [التميمي] (١)، عن ابن عباس: أي مؤتمنًا عليه (٢).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: المهيمن: الأمين، قال: القرآن أمين على كل كتاب قبله (٣).

ورواه عن عكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومحمد بن كعب وعطية والحسن وقتادة وعطاء الخراساني والسدي وابن زيد نحو ذلك (٤).

وقال ابن جريج: القرآن أمين على الكتب المتقدمة قبله، فما وافقه منها فهو حق، وما خالفه منها فهو باطل (٥).

وعن الوالبي عن ابن عباس: ﴿وَمُهَيْمِنًا﴾ أي: شهيدًا (٦)، وكذا قال مجاهد وقتادة والسدي (٧).

وقال العوفي، عن ابن عباس: ﴿وَمُهَيْمِنًا﴾ أي: حاكمًا على ما قبله من الكتب (٨).

وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى، فإن اسم المهيمن يتضمن هذا كله، فهو أمين وشاهد وحاكم على كل كتاب قبله، جعل الله هذا الكتاب العظيم الذي أنزله آخر الكتب وخاتمها أشملها وأعظمها وأكملها حيث جمع فيه محاسن ما قبله، وزاده من الكمالات، ما ليس في غيره، فلهذا جعله شاهدًا وأمينًا وحاكما عليها كلها وتكفل تعالى بحفظه بنفسه الكريمة، فقال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)[الحجر: ٩].

فأما ما حكاه ابن أبي حاتم عن عكرمة وسعيد بن جبير وعطاء الخراساني وابن أبي نجيح عن مجاهد، أنهم قالوا في قوله: ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ يعني: محمدًا أمين على القرآن (٩). فإنه صحيح

في المعنى، ولكن في تفسير هذا بهذا نظر، وفي تنزيله عليه من حيث العربية أيضًا نظر، وبالجملة فالصحيح الأول.

وقال أبو جعفر بن جرير بعد حكايته له عن مجاهد: وهذا التأويل بعيد من المفهوم في كلام العرب، بل هو خطأ، وذلك أن المهيمن عطف على المصدق، فلا يكون إلا صفة لما كان المصدق صفة له، قال: ولو كان الأمر كما قال مجاهد لقال: وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا


(١) كذا في (حم) و (مح) وفي الأصل: "التيمي" وهو تصحيف لأن التميمي هو: أربدة معروف بالتفسير.
(٢) أخرجه الطبري من عدة طرق عن الثوري به، وسنده حسن.
(٣) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة.
(٤) ذكرهم تهم ابن أبي حاتم بحذف السند.
(٥) أخرجه الطبري بسند ضعيف عن ابن جريج ويشهد له ما تقدم.
(٦) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة الوالبي به.
(٧) قول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه.
(٨) أخرجه الطبري بسند ضعيف عن العوفي به.
(٩) قول مجاهد أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق ابن أبي نجيح عنه، وبقية المفسرين ذكرهم بحذف السند.