للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لما بين يديه من الكتاب، مهيمنًا عليه، يعني من غير عطف (١).

وقوله تعالى: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ أي: فاحكم يا محمد بين الناس، عربهم وعجمهم، أميهم وكتابيهم، بما أنزل اللّه إليك في هذا الكتاب العظيم، وبما قرره لك من حكم من كان قبلك من الأنبياء ولم ينسخه في شرعك، هكذا وجهه ابن جرير بمعناه.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عمار، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: كان النبي مخيرًا إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم، فردّهم إلى أحكامهم، فنزلت ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ فأمر رسول اللّه أن يحكم بينهم بما في كتابنا (٢).

وقوله: ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ أي: آراءهم التي اصطلحوا عليها، وتركوا بسببها ما أنزل الله على رسله، ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ أي لا تنصرف عن الحق الذي أمرك الله به إلى أهواء هؤلاء الجهلة الأشقياء.

وقوله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن يوسف بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن التميمي، عن ابن عباس ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً﴾ قال: سبيلًا (٣).

وحدثنا أبو سعيد، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس ﴿وَمِنْهَاجًا﴾ قال: سنة (٤)، وكذا روى العوفي عن ابن عباس ﴿شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ سبيلًا وسنة، وكذا روي عن مجاهد وعكرمة والحسن البصري وقتادة والضحاك والسدي وأبي إسحاق السبيعي، أنهم قالوا في قوله: ﴿شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ أي: سبيلًا وسنة (٥).

وعن ابن عباس أيضًا، ومجاهد أيضًا، وعطاء الخراساني عكسه: ﴿شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ أي: سنة وسبيلًا (٦).

والأول أنسب، فإن الشرعة وهي الشريعة أيضًا هي ما يبتدأ فيه إلى الشيء، ومنه يقال: شرع في كذا؛ أي: ابتدأ فيه، كذا الشريعة وهي ما يشرع فيها إلى الماء. أما المنهاج فهو الطريق الواضح السهل، والسنن الطرائق.

فتفسير قوله: ﴿شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ بالسبيل والسنة أظهر في المناسبة من العكس، والله أعلم.

ثم هذا إخبار عن الأمم المختلفة الأديان، باعتبار ما بعث الله به رسله الكرام من الشرائع المختلفة في الأحكام المتفقة في التوحيد، كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن


(١) ذكره الطبري (التفسير ١٠/ ٣٨١) ط. شاكر.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده صحيح.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده حسن.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده حسن.
(٥) رواية العوفي أخرجها الطبري بسند ضعيف عنه به. ويشهد له أقوال المفسرين التالية: فقول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه.
(٦) قول مجاهد أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق ابن أبي نجيح عنه.