للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وغضب رسول الله حتى رأوا لوجهه ظللًا، ثم قال: "ويحك أرسلني" قال: لا واللّه لا أرسلك حتى تحسن في موالي أربعمائة حاسر، وثلاثمائة دارع، قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدني في غداة واحدة إني امرؤ أخشى الدوائر، قال: فقال رسول الله : "هم لك" (١).

قال محمد بن إسحاق: فحدثني أبو إسحاق بن يسار عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، قال: لما حاربت بنو فينقاع رسول الله تشبث بأمرهم عبد اللّه بن أُبي، وقام دونهم ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول اللّه وكان أحد بني عوف بن الخزرج له من حلفهم مثل الذي لعبد الله بن أُبي، فجعلهم إلى رسول اللّه ، وتبرأ إلى الله ورسوله من حلفهم، وقال: يا رسول الله، أبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم، وأتولى اللّه ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حلف الكفار، وولايتهم، ففيه وفي عبد الله بن أُبي نزلت الآيات في المائدة ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (٥٦)[المائدة] (٢).

وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد قال: دخلت مع رسول اللّه على عبد الله بن أُبي نعوده، فقال له النبي : "قد كنت أنهاك عن حب يهود" فقال عبد اللّه: فقد أبغضهم أسعد بن زرارة فمات (٣)، وكذا رواه أبو داود من حديث محمد بن إسحاق (٤).

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (٥٥) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (٥٦)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن قدرته العظيمة أنه من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته، فإن الله يستبدل به من هو خير لها منه، وأشدّ منعة، وأقوم سبيلًا، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٨]. وقال تعالى: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (٢٠)[إبراهيم: ١٩، ٢٠] أي: بممتنع ولا صعب. وقال تعالى ههنا: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ﴾ أي: يرجع عن الحق إلى الباطل.


(١) سيرة ابن هشام (٢/ ٨٠٩).
(٢) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق به، وسنده حسن.
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣٦/ ٩١ ح ٢١٧٥٨)، وضعفه محققوه بسبب عنعنة ابن إسحاق، وأخرجه الحاكم من طريق ابن إسحاق به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ١/ ٣٤١)، قال الساعاتي: سكت عنه أبو داود والمنذري ورواه ابن إسحاق فقال: حدثني الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد … فالحديث صحيح لأن رجاله كلهم ثقات وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث (الفتح الرباني ٢١/ ٢١١). ولكن لم أعثر على تصريح ابن إسحاق. فإن ثبت ذلك فالإسناد حسن.
(٤) سنن أبي داود، الجنائز، باب في العيادة رقم ٣٠٩٤ ولم يصرح ابن إسحاق بالسماع.