للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول اللّه ولا مما يأمرني به، فقمت بين يدي رسول اللّه ، فألقى عليّ رسول الله التأذين هو بنفسه، قال: "قل: اللّه أكبر اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللّه أشهد أن لا إله إلا اللّه، أشهد أن محمدًا رسول اللّه أشهد أن محمدًا رسول اللّه، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلا اللّه" ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة ثم وضع يده على ناصية أبي محذورة، ثم أمَرّها على وجهه، ثم بين ثدييه، ثم على كبده، حتى بلغت يد رسول اللّه سورة أبي محذورة، ثم قال رسول اللّه : "بارك اللّه فيك وبارك عليك" فقلت: يا رسول اللّه مرني بالتأذين بمكة، فقال: "قد أمرتك به"، وذهب كل شيء كان لرسول اللّه من كراهة، وعاد ذلك كله محبة لرسول اللّه ، فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول اللّه فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول اللّه ، وأخبرني ذلك من أدركت من أهلي ممن أدرك أبا محذورة على نحو ما أخبرني عبد اللّه بن مُحيريز (١)، وهكذا رواه الإمام أحمد، وقد أخرجه مسلم في صحيحه وأهل السنن الأربعة من طريق عبد اللّه بن مُحيريز، عن أبي محذورة واسمه سمرة بن معير بن لوذان، أحد مؤذني رسول الله الأربعة، وهو مؤذن أهل مكة، وامتدت أيامه وأرضاه (٢).

﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (٥٩) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (٦٠) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (٦١) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣)﴾.

يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزوًا ولعبًا من أهل الكتاب: ﴿هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ﴾ أي: هل لكم علينا مطعن أو عيب إلا هذا؟ وهذا ليس بعيب ولا مذمة، فيكون الاستثناء منقطعًا، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨)[البروج: ٨]، وكقوله: ﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٧٤] وفي الحديث المتفق عليه "ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرًا فأغناه اللّه" (٣).

وقوله: ﴿وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ﴾ معطوف على ﴿أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ﴾ أي: وآمنا بأن أكثركم فاسقون؛ أي: خارجون عن الطريق المستقيم.

ثم قال: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ﴾ أي: هل أخبركم بشر جزاء عند اللّه يوم القيامة مما تظنونه بنا؟ وهم أنتم الذين هم متصفون بهذه الصفات المفسرة بقوله: ﴿مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ﴾


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢٤/ ٩٩ ح ١٥٣٨٠) وصححه محققوه بطرقه.
(٢) أخرجه مسلم مختصرًا الصحيح، الصلاة، باب صفة الأذان ح (٣٧٩).
(٣) أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة، صحيح البخاري، الزكاة، باب قول الله تعالى: ﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾ [البقرة: ١٧٧] ح (١٤٦٨) وصحيح مسلم، الزكاة، باب في تقديم الزكاة ح (٩٨٣).