للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أي: أبعده من رحمته ﴿وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ أي: غضبًا لا يرضى بعده أبدًا ﴿وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ﴾ كما تقدم بيانه في سورة البقرة، وكما سيأتي إيضاحه في سورة الأعراف.

وقد قال سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن المغيرة بن عبد الله، عن المعرور بن سويد، عن ابن مسعود قال: سئل رسول اللّه عن القردة والخنازير: أهي مما مسخ اللّه؟ فقال: "إن اللّه لم يهلك قومًا، أو لم يمسخ قومًا فيجعل لهم نسلًا ولا عقبًا، وإن القردة والخنازير كانت قبل ذلك" (١) وقد رواه مسلم من حديث سفيان الثوري ومسعر، كلاهما عن مغيرة بن عبد اللّه [اليشكري] (٢) به (٣).

وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا داود بن أبي الفرات، عن محمد بن زيد، عن أبي الأعين العبدي، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود قال: سألنا رسول الله عن القردة والخنازير: أهي من نسل اليهود؟ فقال: "لا إن الله لم يلعن قومًا قط فيمسخهم. فكان لهم نسل ولكن هذا خلق كان، فلما غضب اللّه على اليهود فمسخهم جعلهم مثلهم"، ورواه أحمد من حديث داود بن أبي الفرات به (٤).

وقال ابن مردويه: حدثنا عبد الباقي، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا الحسن بن محبوب، حدثنا عبد العزيز بن المختار، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله : "الحيات مسخ الجن كما مسخت القردة والخنازير" (٥) هذا حديث غريب جدًّا.

وقوله تعالى: ﴿وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ قرئ: وعَبَدَ الطاغوتَ على أنه فعل ماض، والطاغوت منصوب به؛ أي: وجعل منهم من عَبَدَ الطاغوت، وقرئ: وعَبَدَ الطَاغوتِ بالإضافة (٦) على أن المعنى وجعل منهم خدم الطاغوت؛ أي: خدامه وعبيده، وقرئ: وعُبُدَ الطاغوتِ على أنه جمع عبد وعبيد، وعبد مثل ثمار وثُمُرْ، حكاها ابن جرير عن الأعمش، وحكى عن بريدة الأسلمي أنه كان يقرؤها وعابد الطاغوت، وعن أبي وابن مسعود: وعبدوا، وعن أبي جعفر القارئ أنه كان يقرؤها: وعُبدَ الطاغوتُ على أنه مفعول ما لم يسم فاعله، ثم استبعد معناها، والظاهر أنه لا بعد في ذلك، لأَن هذا من باب التعريض بهم؛ أي: وقد عبد الطاغوت فيكم وأنتم الذين فعلتموه، وكل هذه القراءات يرجع معناها إلى أنكم يا أهل الكتاب الطاعنين في ديننا، والذي هو توحيد الله وإفراده بالعبادات دون ما سواه، كيف يصدر منكم هذا، وأنتم قد وجد منكم جميع ما ذكر؟ ولهذا قال: ﴿أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا﴾ أي: مما تظنون بنا ﴿وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل فيما ليس في الطرف الآخر مشاركة، كقوله ﷿: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (٢٤)[الفرقان: ٢٤].


(١) سنده صحيح.
(٢) كذا في (حم) و (مح) وفي الأصل: "الشكري".
(٣) صحيح مسلم، القدر، باب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها ح (٢٦٦٣).
(٤) أخرجه الطيالسي (المسند رقم ٣٠٧)، والإمام أحمد (المسند ١/ ٣٩٥) وسنده ضعيف لضعف أبي الأعين العبدي (المجروحين ٣/ ١٥٠).
(٥) أخرجه الإمام أحمد من طريق أيوب عن عكرمة به بنحوه (المسند ٥/ ٣٠٤ ح ٣٢٥٤) وقال محققوه: إسناده صحيح.
(٦) وكلتاهما قراءتان متواترتان.