للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جرير، عن أبيه، قال: قال رسول اللّه : "ما من قوم يكون بين أظهرهم من يعمل بالمعاصي هم أعزُّ منه وأمنع، ولم يغيِّروا إلا أصابهم اللّه منه بعذاب" (١) تفرد به أحمد من هذا الوجه، ورواه أبو داود عن مسدد، عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن المنذر بن جرير، عن جرير قال: سمعت رسول اللّه يقول: "ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون أن يغيروا عليه، فلا يغيرون إلا أصابهم اللّه بعقاب قبل أن يموتوا" (٢) وقد رواه ابن ماجه عن علي بن محمد، عن وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبيد الله بن جرير، عن أبيه به (٣)، قال الحافظ المزي: وهكذا رواه شعبة عن أبي إسحاق به.

﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٦٤) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (٦٦)﴾.

يخبر تعالى عن اليهود - عليهم لعائن اللّه المتتابعة إلى يوم القيامة - بأنهم وصفوا اللّه ﷿ تعالى عن قولهم علوًا كبيرًا بأنه بخيل، كما وصفوه بأنه فقير وهم أغنياء وعبروا عن البخل بأن قالوا: ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبد اللّه الطهراني، وحدثنا حفص بن عمر العدني، حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة قال: قال ابن عباس ﴿مَغْلُولَةٌ﴾ أي: بخيلة (٤).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ قال: لا يعنون بذلك أن يد اللّه موثقة، ولكن يقولون: بخيل يعني أمسك ما عنده تعالى اللّه عن قولهم علوًا كبيرًا (٥)، وكذا روي عن مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي (٦) والضحاك، وقرأ ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (٢٩)[الإسراء] يعني: أنه ينهى عن البخل وعن التبذير، وهو زيادة الإنفاق في غير محله، وعبر عن البخل بقوله: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ﴾ وهذا هو الذي أراد هؤلاء اليهود عليهم لعائن اللّه، وقد قال عكرمة: إنها نزلت في فنحاص اليهودي، عليه لعنة اللّه، وقد تقدم أنه الذي قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران: ١٨١] فضربه أبو بكر الصديق .


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده بلفظ: بعقاب (المسند ٣١/ ٥٤٨ ح (١٩٢١٦) وحسن سنده محققوه.
(٢) سنن أبي داود، الملاحم، باب الأمر والنهي ح (٤٣٣٩) وحسنه الألباني في سنن أبي داود ح (٣٦٤٦).
(٣) السنن، الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ح (٤٠٠٩).
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لضعف حفص بن عمر.
(٥) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة به.
(٦) أخرجه الطبري وآدم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه الطبري أيضًا بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، وأخرجه أيضًا بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.