للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عباس، قال: قال رسول الله في حجة الوداع. "يا أيها الناس؛ أي: يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام، قال أي بلد هذا؟ قالوا: بلد حرام، قال: أي شهر هذا؟ قالوا: شهر حرام، قال: "فإن أموالكم ودماءكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا" ثم أعادها مرارًا، ثم رفع أصبعه إلى السماء فقال: "اللهم هل بلغت؟ "مرارًا. قال: يقول ابن عباس: واللّه لوصية إلى ربه ﷿، ثم قال: "ألا فليبلغ الشاهد الغائب: لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض" (١) وقد روى البخاري عن علي بن المديني، عن يحيى بن سعيد، عن فضيل بن غزوان به نحوه (٢).

وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ يعني: وإن لم تؤد إلى الناس ما أرسلتك به، ﴿فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾؛ أي: وقد علم ما يترتب على ذلك لو وقع.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس ﴿وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ يعني: إن كتمت آية مما أنزل إليك من ربك لم تبلغ رسالته (٣).

قال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا أبي، حَدَّثَنَا [قبيضة بن عقبة] (٤)، حَدَّثَنَا سفيان، عن رجل، عن مجاهد قال: لما نزلت ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ قال: يا ربِّ، كيف أصنع وأنا وحدي يجتمعون عليّ؟ فنزلت ﴿وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ (٥) ورواه ابن جرير من طريق سفيان وهو الثوري به (٦).

وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ أي: بلغ أنت رسالتي وأنا حافظك وناصرك ومؤيدك على أعدائك ومظفرك بهم، فلا تخف ولا تحزن فلن يصل أحد منهم إليك بسوء يؤذيك، وقد كان النَّبِيّ قبل نزول هذه الآية يُحرس، كما قال الإمام أحمد: حَدَّثَنَا يزيد، حَدَّثَنَا يحيى قال: سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة يحدث، أن عائشة كانت تحدث أن رسول الله سهر ذات ليلة وهي إلى جنبه قالت: فقلت ما شأنك يا رسول الله؟ قال: "ليت رجلًا صالحًا من أصحابي يحرسنى الليلة" قالت: فبينا أنا على ذلك، إذ سمعت صوت السلاح، فقال: "من هذا؟ " فقال: أنا سعد بن مالك. فقال: "ما جاء بك؟ " قال: جئت لأحرسك يا رسول الله. قالت: فسمعت غطيط رسول الله في نومه (٧)، أخرجاه في الصحيحين من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري به (٨)، وفي لفظ: سهر رسول الله ذات ليلة مقدمه المدينة يعني على إثر هجرته بعد دخوله بعائشة ، وكان ذلك في سنة ثنتين منها (٩).


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١/ ٢٣٥)، وسنده صحيح.
(٢) صحيح البخاري، الحج، باب الخطبة أيام منى (ح ١٧٣٩).
(٣) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسنده ثابت من طريق ابن أبي طلحة به.
(٤) كذا في (حم) و (مح) وفي الأصل: "سعبة بن عتبة" وهو تصحيف.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لإبهام شيخ سفيان الثوري، وإرسال مجاهد.
(٦) أخرجه الطبري من طريق الثوري به، وسنده ضعيف كسابقه.
(٧) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٦/ ١٤٠)، وسنده صحيح.
(٨) صحيح البخاري، الجهاد، باب الحراسة في الغزو في سبيل الله (ح ٢٨٨٥) وصحيح مسلم، فضائل الصحابة، فصل سعد بن أبي وقاص (ح ٢٤١٠).
(٩) المصدر السابق في صحيح مسلم.