للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال: حَدَّثَنَا محمد بن أحمد بن إبراهيم، حَدَّثَنَا محمد بن يحيى، حَدَّثَنَا أبو كريب، حَدَّثَنَا عبد الحميد الحماني، عن النضر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله يحرس فكان أبو طالب يرسل إليه كل يوم رجالًا من بني هاشم يحرسونه حتَّى نزلت عليه هذه الآية ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ قال: فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسه، فقال: "إن الله قد عصمني من الجن والإنس" (١)، ورواه الطبراني (٢) عن يعقوب بن غيلان العماني، عن أبي كريب به.

وهذا أيضًا حديث غريب، والصحيح أن هذه الآية مدنية بل هي من أواخر ما نزل بها، واللّه أعلم، ومن عصمة الله لرسوله، حفظه له من أهل مكة وصناديدها وحسادها ومعانديها ومترفيها، مع شدة العداوة والبغضة، ونصب المحاربة له ليلًا ونهارًا، بما يخلقه الله من الأسباب العظيمة بقدرته وحكمته العظيمة، فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب إذ كان رئيسًا مطاعًا كبيرًا في قريش، وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله لا شرعية، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها، ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر هابوه واحترموه، فلما مات عمه أبو طالب، نال منه المشركون أذى يسيرًا، ثم قيض الله له الأنصار فبايعوه على الإسلام وعلى أن يتحول إلى دارهم وهي المدينة، فلما صار إليها، منعوه من الأحمر والأسود، وكلما هم أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله، ورد كيده عليه، كما كاده اليهود بالسحر فحماه الله منهم، وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواء لذلك الداء، ولما سمه اليهود في ذراع تلك الشاة بخيبر، أعلمه الله به وحماه منه، ولهذا أشباه كثيرة جدًّا يطول ذكرها، فمن ذلك ما ذكره المفسرون عند هذه الآية الكريمة:

فقال أبو جعفر بن جرير: حَدَّثَنَا الحارث، حَدَّثَنَا عبد العزيز، حَدَّثَنَا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي، وغيره، قالوا: كان رسول الله إذا نزل منزلًا اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها، فأتاه أعرابي فاخترط سيفه، ثم قال: من يمنعك مني؟ فقال: "الله ﷿" فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه، وضرب برأسه الشجرة حتَّى انتثر دماغه، فأنزل الله ﷿: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ (٣).

وقال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا أبو سعيد أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان، حَدَّثَنَا زيد بن الحباب، حَدَّثَنَا موسى بن عبيدة، حدثني زيد بن أسلم، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: لما غزا رسول الله بني أنمار، نزل ذات الرقاع بأعلى نخل، فبينا هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه، فقال غورث بن الحارث من بني النجار: لأقتلن محمدًا، فقال له أصحابه: كيف تقتله؟ قال: أقول له: أعطني سيفك، فإذا أعطانيه، قتلته به، قال: فأتاه. فقال: يا محمد، أعطني سيفك أشيمه، فأعطاه إياه، فرعدت يده حتَّى سقط السيف من يده، فقال رسول الله :


(١) في سنده النضر وهو ابن عبد الرحمن ذكره الهيثمي باسمه واسم أبيه وبيّن أنه ضعيف (المجمع ٧/ ٢٠) بل هو متروك (كما في التقريب ص ٥٦٢).
(٢) المعجم الكبير ١١/ ٢٦١ (ح ١١٦٦٣) وسنده ضعيف جدًّا بسبب النضر.
(٣) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف بسبب أبي معشر وهو نجيح السندي: ضعيف (التقريب ص ٥٥٩) وقد أرسله محمد بن كعب.