للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"حال الله بينك وبين ما تريد"، فأنزل الله ﷿: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ (١). وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وقصة غورث بن الحارث مشهورة في الصحيح.

وقال أبو بكر بن مردويه: حَدَّثَنَا أبو عمرو بن أحمد بن محمد بن إبراهيم، حَدَّثَنَا محمد بن عبد الوهاب، حَدَّثَنَا آدم، حَدَّثَنَا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: كنا إذا صحبنا رسول الله في سفر تركنا له أعظم شجرة وأظلها، فينزل تحتها، فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها، فجاء رجل فأخذه، فقال: يا محمد، من يمنعك مني؟ فقال رسول الله : "الله يمنعني منك ضع السيف" فوضعه، فأنزل الله: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ وكذا رواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه عن عبد الله بن محمد، عن إسحاق بن إبراهيم، عن المؤمل بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة به (٢).

وقال الإمام أحمد: حَدَّثَنَا محمد بن جعفر، حَدَّثَنَا شعبة، سمعت أبا إسرائيل - يعني الجشمي -، سمعت جعدة - هو ابن خالد بن الصمة الجشمي قال: سمعت النَّبِيّ ورأى رجلًا سمينًا، فجعل النَّبِيّ يومئ إلى بطنه بيده ويقول: "لو كان هذا في غير هذا، لكان خيرًا لك" قال: وأتي النَّبِيّ برجل، فقيل: هذا أراد أن يقتلك، فقال له النَّبِيّ : "لم ترع ولو أردت ذلك لم يسلطك الله علي" (٣).

وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ أي: بلغ أنت واللّه هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، كما قال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٧٢] وقال: ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ﴾ [الرعد: ٤٠].

﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٦٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩)﴾.

يقول تعالى: قل يا محمد ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ﴾ أي: من الدين حتَّى تقيموا التوراة والإنجيل؛ أي: حتَّى تؤمنوا بجميع ما بأيديكم من الكتب المنزلة من الله على الأنبياء، وتعملوا بما فيها، ومما فيها الأمر باتباع محمد عليّ والإيمان بمبعثه، والاقتداء بشريعته، ولهذا قال ليث بن


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده ضعيف بسبب موسى بن عبيدة، ولكن أصل القصة في صحيح البخاري، المغازي باب غزوة ذات الرقاع (ح ٤١٣٦).
(٢) أخرجه ابن حبان من طريق حماد به (موارد الظمآن ص ٣٤٠ ح ١٧٣٩) ويشهد له سابقه في صحيح البخاري.
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣/ ٤٧١)، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير أبي إسرائيل الجشمي وهو ثقة (مجمع الزوائد ٨/ ٢٢٦)، وأخرجه النسائي من طريق شعبة به (السنن الكبرى، عمل اليوم والليلة، باب ما يقول للجائف ح ١٠٩٠٣) وصححه الحافظ ابن حجر (تهذيب التهذيب ٢/ ٨١)، وأخرجه الحاكم من طريق شعبة به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٤/ ١٢١).