للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: كلوا باسم الله، ثم ذهب إلى النَّبِيِّ فذكر الذي كان منهم، ثم أنزل الله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ (١) وهذا أثر منقطع.

وفي صحيح البخاري في قصة الصديق مع أضيافه شبيه بهذا (٢)، وفيه وفي هذه القصة دلالة لمن ذهب من العلماء كالشافعي وغيره إلى أن من حرم مأكلًا أو ملبسًا أو شيئًا ما عدا النساء أنه لا يحرم عليه، ولا كفارة عليه أيضًا، ولقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ ولأن الذي حرم اللحم على نفسه كما في الحديث المتقدم لم يأمره النَّبِيّ بكفارة، وذهب آخرون منهم الإمام أحمد بن حنبل إلى أن من حرم مأكلًا أو مشربًا أو ملبسًا أو شيئًا من الأشياء، فإنه يجب عليه بذلك كفارة يمين، كما إذا التزم تركه باليمين، فكذلك يؤاخذ بمجرد تحريمه على نفسه إلزامًا له بما التزمه، كما أفتي بذلك ابن عباس، وكما في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١)[التحريم: ١] ثم قال: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ الآية [التحريم: ٢] وكذلك ها هنا لما ذكر هذا الحكم، عقبه بن بن بالآية المبينة لتكفير اليمين، فدل على أن هذا منزل منزلة اليمين في اقتضاء التكفير، والله أعلم.

وقال ابن جرير: حَدَّثَنَا القاسم، حَدَّثَنَا الحسين، حَدَّثَنَا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: أراد رجال منهم عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو أن يتبتلوا، ويخصوا أنفسهم، ويلبسوا المسوح، فنزلت هذه الآية إلى قوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ قال ابن جريج، عن عكرمة: أن عثمان بن مظعون وعلي بن أبي طالب وابن مسعود والمقداد بن الأسود وسالمًا مولى أبي حذيفة في أصحابه تبتلوا، فجلسوا في البيوت، واعتزلوا النساء، ولبسوا المسوح، وحرموا طيبات الطعام واللباس، إلا ما يأكل ويلبس أهل السياحة من بني إسرائيل، وهموا بالاختصاء، وأجمعوا لقيام الليل، وصيام النهار، فنزلت هذه الآية ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧)﴾ يقول: لا تسيروا بغير سنة المسلمين، يريد ما حرموا من النساء والطعام واللباس، وما أجمعوا له من قيام الليل وصيام النهار، وما هموا به من الاختصاء، فلما نزلت فيهم بعث إليهم رسول الله فقال: "إن لأنفسكم حقًّا، وإن لأعينكم حقًّا، صوموا وأفطروا، وصلوا وناموا، فليس منا من ترك سنتنا" فقالوا: اللهم سلمنا واتبعنا ما أنزلت (٣).

وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين مرسلة، ولها شاهد في الصحيحين من رواية عائشة أم المؤمنين كما تقدم ذلك (٤)، ولله الحمد والمنة.


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده ضعيف بسبب الانقطاع بين زيد وابن رواحة .
(٢) وفيه أنه حلف على عدم الأكل ثم رجع عن ذلك فأكل إذ قال: والله لا أطعمه الليلة … (الصحيح، الأدب، باب ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف ح ٦١٤٠).
(٣) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لضعف الحسين وهو ابن داود المُلقب بسُنيد، وله شاهد كما يلي.
(٤) تقدم في الصفحة قبل السابقة وتخريجه من الصحيحين.