للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ أخذ أبو حنيفة بإطلاقها فقال: تجزئ الكافرة كما تجزئ المؤمنة.

وقال الشافعي وآخرون: لا بدّ أن تكون مؤمنة. وأخذ تقييدها بالإيمان من كفارة القتل لاتحاد الموجب وإن اختلف السبب.

ومن حديث معاوية بن الحكم السلمي الذي هو في موطأ مالك ومسند الشافعي وصحيح مسلم أنه ذكر أن عليه عتق رقبة، وجاء معه بجارية سوداء فقال لها رسول الله : "أين الله؟ ". قالت: في السماء. قال: "من أنا؟ " قالت: رسول الله. قال: "أعتقها فإنها مؤمنة … " الحديث بطوله (١).

فهذه خصال ثلاث في كفارة اليمين؛ أيها فعل الحانث أجزأ عنه بالإجماع، وقد بدأ بالأسهل، فالإطعام أسهل وأيسر من الكسوة، كما أن الكسوة أيسر من العتق، فترقى فيها من الأدنى إلى الأعلى، فإن لم يقدر المكلف على واحدة من هذه الخصال الثلاث كفر بصيام ثلاثة أيام، كما قال تعالى: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ﴾.

وروى ابن جرير عن سعيد بن جبير والحسن البصري، أنهما قالا: من وجد ثلاثة دراهم لزمه الإطعام وإلا صام (٢).

وقال ابن جرير حاكيًا عن بعض متأخري متفقهة زمانه أنه جائز لمن لم يكن له فضل عن رأس مال يتصرف فيه لمعاشه، ومن الفضل عن ذلك ما يكفر به عن يمينه، ثم اختار ابن جرير أنه الذي لا يفضل عن قوته وقوت عياله في يومه ذلك ما يخرج به كفارة اليمين (٣).

واختلف العلماء: هل يجب فيها التتابع أو يستحب ولا يجب، ويجزئ التفريق؟ قولان:

أحدهما: لا يجب وهذا منصوص الشافعي في كتاب الأيمان، وهو قول مالك لإطلاق قوله: ﴿فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ﴾ وهو صادق على المجموعة والمفرقة، كما في قضاء رمضان لقوله: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٤] ونص الشافعي في موضع آخر في الأم على وجوب التتابع، كما هو قول الحنفية والحنابلة، لأنَّهُ قد روي عن أُبيّ بن كعب وغيره أنهم كانوا يقرؤونها (فصيام ثلاثة أيام متتابعات). قال أبو جعفر الرازي: عن الربيع، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب أنه كان يقرؤها (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) (٤) وحكاها مجاهد والشعبي وأبو إسحاق عن عبد الله بن مسعود.

وقال إبراهيم: في قراءة أصحاب عبد الله بن مسعود (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) (٥).

وقال الأعمش: كان أصحاب ابن مسعود يقرؤونها كذلك (٦)، وهذه إذا لم يثبت كونها قرآنًا


(١) الموطأ، العتق، باب ما يجوز من العتق (٢/ ٥٩٥)، والرسالة فقرة رقم ٢٤٢ وصحيح مسلم، المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة (ح ٥٣٧).
(٢) أخرجه الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضًا عنهما.
(٣) ذكره الطبري بنحوه (التفسير ١٠/ ٥٥٩) ط. شاكر.
(٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده جيد، والقراءة شاذة تفسيرية.
(٥) أخرجه عبد الرزاق والطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضًا (المصنف ٨/ ٥١٣ - ٥١٤ رقم ١٦١٠٢ - ١٦١٠٥).
(٦) سنده منقطع ويشهد له ما تقدم.