للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخطأ، كما دلّ الكتاب عليه في العمد، وأيضًا فإن قتل الصيد إتلاف، والإتلاف مضمون في العمد وفي النسيان، لكن المتعمد مأثوم، والمخطئ غير ملوم.

وقوله تعالى: ﴿فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ قرأ بعضهم بالإضافة، وقرأ آخرون بعطفها ﴿فَجَزَاءُ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ (١)، وحكَى ابن جرير، أن ابن مسعود قرأها ﴿فَجَزَاءُهُ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ (٢). وفي قوله: ﴿فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ على كل من القراءتين دليل لما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد والجمهور، من وجوب الجزاء من مثل ما قتله المحرم، إذا كان له مثل من الحيوان الإنسي خلافًا لأبي حنيفة ، حيث أوجب القيمة سواء كان للصيد المقتول مثليًا أو غير مثلي، قال: وهو مخير إن شاء تصدق بثمنه، وإن شاء اشترى به هديًا، والذي حكم به الصحابة في المثل أولى بالاتباع، فإنهم حكموا في النعامة ببدنة، وفي بقرة الوحش ببقرة، وفي الغزال بعنز، وذكر قضايا الصحابة وأسانيدها مقرر في كتاب الأحكام، وأما إذا لم يكن الصيد مثليًا فقد حكم ابن عباس فيه بثمنه يحمل إلى مكة، رواه البيهقي.

وقوله تعالى: ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ يعني: أنه يحكم بالجزاء في المثل أو بالقيمة في غير المثل عدلان من المسلمين.

واختلف العلماء في القاتل: هل يجوز أن يكون أحد الحكمين؟ على قولين:

(أحدهما): لا، لأنَّهُ قد يتهم في حكمه على نفسه، وهذا مذهب مالك.

(والثاني): نعم، لعموم الآية، وهو مذهب الشافعي وأحمد، واحتج الأولون بأن الحاكم لا يكون محكومًا عليه في صورة واحدة. قال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا أبي، حَدَّثَنَا أبو نعيم الفضل بن دكين، حَدَّثَنَا جعفر هو ابن برقان، عن ميمون بن مهران أن أعرابيًا أتى أبا بكر، فقال: قتلت صيدًا وأنا محرم، فما ترى علي من الجزاء؟ فقال أبو بكر لأبي بن كعب وهو جالس عنده: ما ترى فيما قال؟ فقال الأعرابي: أتيتك وأنت خليفة رسول الله أسألك، فإذا أنت تسأل غيرك؟ فقال أبو بكر: وما تنكر؟ يقول الله تعالى: ﴿فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ فشاورت صاحبي حتَّى إذا اتفقنا على أمر أمرناك به (٣)، وهذا إسناد جيد، لكنه منقطع بين ميمون وبين الصديق، ومثله يحتمل ههنا، فبين له الصديق الحكم برفق وتؤدة لما رآه أعرابيًا جاهلًا، وإنما دواء الجهل التعليم، فأما إذا كان المعترض منسوبًا إلى العلم، فقد قال ابن جرير: حَدَّثَنَا هناد وأبو هشام الرفاعي، قالا: حَدَّثَنَا وكيع بن الجراح، عن المسعودي، عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر، قال: خرجنا حجاجًا، فكنا إذا صلينا الغداة اقتدنا رواحلنا، فنتماشى نتحدث. قال: فبينما نحن ذات غداة إذ سنح لنا ظبي أو برح (٤)، فرماه رجل كان معنا بحجر فما


(١) كلتاهما قراءتان متواترتان.
(٢) وهي قراءة شاذة تفسيرية.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وحكم عليه الحافظ ابن كثير بجودة سنده على الرغم ما فيه من الانقطاع.
(٤) سنح الظبي إذا أتاك عن يسارك، وبرح إذا أتاك عن يمينك.