للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخطأ خُشّاءَهُ (١)، فركب رَدْعَه ميتًا (٢). قال: فَعَظّمْنا عليه، فلما قدمنا مكة، خرجت معه حتَّى أتينا عمر بن الخطاب ، فقصَّ عليه القصة فقال: وإذا إلى جنبه رجل كأن وجهه قلب فضة، يعني عبد الرحمن بن عوف، فالتفت عمر إلى صاحبه فكلمه، قال: ثم أقبل على الرجل فقال: أعمدًا قتلته أم خطأ؟ فقال الرجل: لقد تعمدت رميه وما أردت قتله، فقال عمر: ما أراك إلا قد أشركت بين العمد والخطأ، اعمد إلى شاة فاذبحها وتصدق بلحمها، واسق إهابها (٣)، قال: فقمنا من عنده، فقلت لصاحبي: أيها الرجل، [عظم] (٤) شعائر الله، فما درى أمير المؤمنين ما يفتيك حتَّى سأل صاحبه، اعمد إلى ناقتك فانحرها. فلعل ذلك يعني أن يجزئ عنك، قال قبيصة: ولا أذكر الآية من سورة المائدة ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ فبلغ عمر مقالتي، فلم يفجأنا منه إلا ومعه الدرّة، قال: فعلا صاحبي ضربًا بالدرة، أقتلت في الحرم وسفهت في الحكم؟ قال: ثم أقبل علي، فقلت: يا أمير المؤمنين، لا أحلّ لك اليوم شيئًا يَحرُم عليك مني، فقال: يا قَبيصة بن جابر، إني أراك شاب السن، فسيح الصدر، بين اللسان، وإن الشاب يكون فيه تسعة أخلاق حسنة وخلق سيء، فيفسد الخلق السيء الأخلاق الحسنة، فإياك وعثرات الشباب (٥).

وروى هشيم هذه القصة عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بنحوه. ورواها أيضًا عن حصين، عن الشعبي، عن قَبيصة بنحوه. وذكرها مرسلة عن عمر بن بكر بن عبد الله المزني ومحمد بن سيرين بنحوه (٦).

وقال ابن جرير: حَدَّثَنَا ابن بشار، حَدَّثَنَا عبد الرحمن، حَدَّثَنَا شعبة، عن منصور، عن أبي وائل، أخبرني ابن جرير البجلي، قال: أصبت ظبيًا وأنا محرم، فذكرت ذلك لعمر، فقال: ائت رجلين من إخوانك فليحكما عليك، فأتيت عبد الرحمن وسعدًا فحكما عليّ بتيس أعفر (٧) (٨).

وقال ابن جرير: حَدَّثَنَا ابن وكيع، حَدَّثَنَا ابن عيينة، عن مخارق، عن طارق، قال: أوطأ أربد (٩) ظبيًا فقتله وهو محرم، فأتى عمر ليحكم عليه، فقال له عمر: احكم معي، فحكما فيه جديًا قد جمع الماء والشجر، ثم قال عمر: ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ (١٠).

وفي هذا دلالة على جواز كون القاتل أحد الحكمين، كما قاله الشافعي وأحمد رحمهما الله.


(١) وهو العظم الناتئ خلف الأُذن.
(٢) أي خرّ على وجهه ميتًا.
(٣) أي اعط اهابها من يدبغه ويتخذ من جلده سقاء.
(٤) كذا في (حم) و (مح) وسقط من الأصل.
(٥) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وأخرجه الحاكم من طريق معمر عن عبد الملك بن عمير به مختصرًا وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٣/ ٣١٠)، وهو كما قالا وله طرق أخرى تتلوه.
(٦) أخرجه الإمام مالك (الموطأ ١/ ٤١٤)، وعبد الرزاق (المصنف رقم ٨٢٤١)، من طريق ابن سيرين.
(٧) أي: أبيض قاله الطبري بعد الرواية نفسها.
(٨) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده صحيح، وأخرجه ابن سعد من طريق منصور به (الطبقات الكبرى ٦/ ١٥٥).
(٩) كذا في تفسير الطبري وفي الأصل: و (مح) صُحفت إلى: "زيد". وأربد هو ابن عبد الله البجلي أدرك الجاهلة ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة القسم الثالث وصحح سنده.
(١٠) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وفيه ابن وكيع وهو سفيان فيه مقال وقد تابعه الشافعي فرواه عن ابن عيينة به (المسند ١/ ٣٣٢ ح ٨٦٠) وسنده صحيح.