للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المهد صغيرًا، فشهدت ببراءة أُمك من كل عيب، واعترفت لي بالعبودية وأخبرت عن رسالتي إياك ودعوتك إلى عبادتي، ولهذا قال: ﴿تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا﴾ أي: تدعو إلى الله الناس في صغرك وكبرك وضُمِّن (تكلم) تدعو، لأن كلامه الناس في كهولته ليس بأمر عجيب.

وقوله: ﴿وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ أي: الخط والفهم ﴿وَالتَّوْرَاةَ﴾ وهي المنزلة على موسى بن عمران الكليم، وقد يرد لفظ التوراة في الحديث، ويراد به ما هو أعم من ذلك.

وقوله: ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي﴾ أي: تصوره وتشكله على هيئة الطائر بإذني لك في ذلك، فتكون طيرًا بإذني أي فتنفخ في تلك الصورة التي شكلتها بإذني لك في ذلك فتكون طيرًا ذا روح تطير بإذن الله وخلقه.

وقوله تعالى: ﴿وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي﴾ قد تقدم الكلام عليه في سورة آل عمران (١) بما أغنى عن إعادته.

وقوله: ﴿وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي﴾ أي: تدعوهم فيقومون من قبورهم بإذن الله وقدرته وإرادته ومشيئته.

وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا محمد بن طلحة - يعني ابن مصرف -، عن أبي بشر، عن أبي الهذيل، قال: كان عيسى ابن مريم إذا أراد أن يحيي الموتى صلى ركعتين، يقرأ في الأولى ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾ [الملك: ١]، وفي الثانية: ﴿الم (١) تَنْزِيلُ﴾ [السجدة: ١، ٢]، فإذا فرغ منهما مدح الله وأثنى عليه، ثم دعا بسبعة أسماء: يا قديم، يا خفي، يا دائم، يا فرد، يا وتر، يا أحد، يا صمد، وكان إذا أصابته شديدة دعا بسبعة أخر: يا حي، يا قيوم، يا الله، يا رحمن، يا ذا الجلال والإكرام، يا نور السموات والأرض وما بينهما، ورب العرش العظيم، يا رب (٢).

وهذا أثر عجيب جدًّا.

وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ أي: واذكر نعمتي عليك في كفي إياهم عنك حين جئتهم بالبراهين والحجج القاطعة على نبوتك ورسالتك من الله إليهم، فكذبوك واتهموك بأنك ساحر، وسعوا في قتلك وصلبك فنجيتك منهم، ورفعتك إلي، وطهرتك من دنسهم، وكفيتك شرهم، وهذا يدل على أن هذا الامتنان كان من الله إليه بعد رفعه إلى السماء الدنيا، أو يكون هذا الامتنان واقعًا يوم القيامة، وعبر عنه بصيغة الماضي دلالة على وقوعه لا محالة، وهذا من أسرار الغيوب التي أطلع الله عليها نبيه محمدًا .

وقوله: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي﴾ وهذا أيضًا من الامتنان عليه، ، بأن جعل له أصحابًا وأنصارًا، ثم قيل: إن المراد بهذا الوحي وحي إلهام، كما قال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ الآية [القصص: ٧]، وهو وحي إلهام بلا خلاف، وكما قال تعالى: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ


(١) الآية (٤٩).
(٢) هذه الرواية من الإسرائيليات الغريبة لأن نزول سورتي الملك والسجدة بعد حياة عيسى.