للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا﴾ الآية [النحل: ٦٨، ٦٩]، وهكذا قال بعض السلف في هذه الآية ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (١١١)﴾ أي: ألهموا ذلك، فامتثلوا ما ألهموا.

قال الحسن البصري: ألهمهم الله ﷿ ذلك (١).

وقال السدي: قذف في قلوبهم ذلك (٢)، ويحتمل أن يكون المراد وإذ أوحيت إليهم بواسطتك فدعوتهم إلى الإيمان بالله وبرسوله واستجابوا لك وانقادوا وتابعوك، فقالوا: آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ.

﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (١١٣) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (١١٥)﴾.

هذه قصة المائدة وإليها تنسب السورة، فيقال سورة المائدة، وهي مما امتنّ الله به على عبده ورسوله عيسى لما أجاب دعاءه بنزولها، فأنزل الله آية باهرة وحجة قاطعة، وقد ذكر بعض الأئمة أن قصتها ليست مذكورة في الإنجيل، ولا يعرفها النصارى إلا من المسلمين، فالله أعلم، فقوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ﴾ وهم أتباع عيسى ﴿يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ﴾ هذه قراءة كثيرين، وقرأ آخرون: ﴿هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ﴾ أي: هل تستطيع (٣) أن تسأل ربك ﴿أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ والمائدة هي الخوان عليه الطعام، وذكر بعضهم: أنهم إنما سألوا ذلك لحاجتهم وفقرهم، فسألوه أن ينزل عليهم مائدة كل يوم يقتاتون منها ويتقوون بها على العبادة ﴿قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ أي: فأجابهم المسيح قائلًا لهم: اتقوا الله ولا تسألوا هذا فعساه أن يكون فتنة لكم، وتوكلوا على الله في طلب الرزق إن كنتم مؤمنين،

﴿قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا﴾ أي: نحن محتاجون إلى الأكل منها، ﴿وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا﴾ إذا شاهدنا نزولها رزقًا لنا من السماء، ﴿وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا﴾ أي: ونزداد إيمانًا بك وعلمًا برسالتك ﴿وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ أي: ونشهد أنها الآية من عند الله، ودلالة وحجة على نبوتك وصدق ما جئت به.

﴿قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا﴾.

قال السدي: أي نتخذ ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيدًا نعظمه نحن ومن بعدنا (٤)، وقال سفيان الثوري: يعني يومًا نصلي فيه (٥).


(١) ذكره ابن أبي حاتم معلقًا.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٣) كلتا القراءتين متواترتان.
(٤) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح عن الثوري.