للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لعائشة : " ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا﴾ " قال: "هم أصحاب البدع" (١). وهذا رواه ابن مردويه وهو غريب أيضًا ولا يصح رفعه، والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفًا له فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق فمن اختلف فيه ﴿وَكَانُوا شِيَعًا﴾ أي: فرقًا كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات فإن الله تعالى قد برأ رسول الله مما هم فيه وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى: ١٣].

وفي الحديث: "نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد" (٢) فهذا هو الصراط المستقيم وهو ما جاءت به الرسل من عبادة الله وحده لا شريك له والتمسك بشريعة الرسول المتأخر وما خالف ذلك فضلالات وجهالات وآراء وأهواء والرسل برآء منها كما قال الله تعالى: ﴿لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾.

وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١٧)[الحج] ثم بيّن لطفه سبحانه في حكمه وعدله يوم القيامة فقال تعالى:

﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (١٦٠)﴾.

وهذه الآية الكريمة مفصلة لما أجمل في الآية الأخرى وهي قوله: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾ [النمل: ٨٩] وقد وردت الأحاديث مطابقة لهذه الآية كما قال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا عفان، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا الجعد أبو عثمان، عن أبي رجاء العطاردي، عن ابن عباس أن رسول الله قال: فيما يروي عن ربه : "إن ربكم ﷿ رحيم من همّ بحسنة فلم يعملها كُتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرًا إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة. ومن همّ بسيئة فلم يعملها كُتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له واحدة أو يمحوها الله ﷿ ولا يهلك على الله إلا هالك" (٣) ورواه البخاري ومسلم والنسائي من حديث الجعد أبي عثمان به (٤).

وقال أحمد أيضًا: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذرّ قال: قال رسول الله : يقول الله ﷿: "من عمل حسنة فله عشر أمثالها وأزيد، ومن عمل سيئة فجزاؤها مثلها أو أغفر، ومن عمل قِراب الأرض خطيئة ثم لقيني لا يشرك بي شيئًا جعلت له مثلها مغفرة، ومن اقترب إلي شبرًا اقتربت إليه ذراعًا، ومن اقترب إلي ذراعًا اقتربت إليه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة" (٥) ورواه مسلم عن أبي كريب عن أبي معاوية به، وعن أبي بكر بن أبي شيبة،


(١) في سنده مجالد ليس بالقوي كما في "التقريب" ص ٥٢٠.
(٢) تقدم تخريجه وصحته في تفسير سورة المائدة آية ٤٨.
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١/ ٢٧٩)، وسنده صحيح.
(٤) صحيح البخاري، الرقاق، باب من همّ بحسنة أو بسيئة (ح ٦٤٩١)، وصحيح مسلم، الإيمان، باب إذا همّ العبد بحسنة كتبت (ح ٢٠٧).
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٥/ ١٥٣)، وسنده صحيح.