للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى.

قال مجاهد في قوله: ﴿إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي﴾: النسك: الذبح في الحج والعمرة (١).

وقال الثوري، عن السدي، عن سعيد بن جبير ﴿وَنُسُكِي﴾ قال ذبحي (٢)، وكذا قال السدي والضحاك (٣).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف، حدثنا أحمد بن خالد الوهبي، حدثنا محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن ابن عباس، عن جابر بن عبد الله قال: ضحّى رسول الله في يوم عيد النحر بكبشين وقال حين ذبحهما: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين" (٤).

وقوله ﷿: ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ قال قتادة: أي من هذه الأمة (٥)، وهو كما قال، فإن جميع الأنبياء قبله كلهم كانت دعوتهم إلى الإسلام، وأصله عبادة الله وحده لا شريك له كما قال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)[الأنبياء] وقد أخبرنا تعالى عن نوح أنه قال لقومه: ﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢)[يونس] وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٣١) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢)[البقرة] وقال يوسف : ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١)[يوسف] وقال موسى: ﴿يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٨٦)[يونس] وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ﴾ الآية [المائدة: ٤٤]، وقال تعالى: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (١١١)[المائدة] فأخبر تعالى أنه بعث رسله بالإسلام، ولكنهم متفاوتون فيه بحسب شرائعهم الخاصة التي ينسخ بعضها بعضًا، إلى أن نسخت بشريعة محمد التي لا تنسخ أبد الآبدين، ولا تزال قائمة منصورة وأعلامها منشورة إلى قيام الساعة، ولهذا قال : "نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد" (٦) فإن أولاد العلات هم الإخوة من أب واحد وأمهات شتى، فالدين واحد وهو


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق الثوري به، وأخرجه أيضًا من طريق الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد عن سعيد بن جبير، وسنده صحيح.
(٣) قول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه، وقول الضحاك أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق جويبر عنه، ويشهد له سابقاه.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (ح ٥٢٨).
(٥) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق معمر عن قتادة.
(٦) أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة (صحيح البخاري - أحاديث الأنبياء، باب ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ﴾ [مريم ١٦] (ح ٣٤٤٢) وصحيح مسلم، الفضائل، باب فضائل عيسى (ح ٢٣٦٥).