للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المستقيم الذي لا اعوجا فيه ولا انحراف ﴿دِينًا قِيَمًا﴾ أي: قائمًا ثابتًا ﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ كقوله: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ [البقرة: ١٣٠] وقوله: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ [الحج: ٧٨] وقوله: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٣)[النحل] وليس يلزم من كونه أمر باتباع ملة إبراهيم الحنيفية، أن يكون إبراهيم أكمل منه فيها لأنه قام بها قيامًا عظيمًا وأكملت له إكمالًا تامًا لم يسبقه أحد إلى هذا الكمال، ولهذا كان خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم على الإطلاق، وصاحب المقام المحمود الذي يرغب إليه الخلق حتى الخليل .

وقد قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن عبد الله بن حفص، حدثنا أحمد بن عصام، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا شعبة، أنبأنا سلمة بن كهيل، سمعت ذرّ بن عبد الله الهمداني يحدث عن ابن أبزى عن أبيه، قال: كان رسول الله إذا أصبح قال: "أصبحنا على ملة الإسلام وكلمة الإخلاص ودين نبينا محمد وملة أبينا إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين" (١).

وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد أخبرنا محمد بن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: قيل لرسول الله : أي الأديان أحب إلى الله تعالى؟ قال: "الحنيفية السمحة" (٢). وقال أحمد أيضًا: حدثنا سليمان بن داود، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: وضع رسول الله ذقني على منكبه، لأنظر إلى زَفَّن (٣) الحبشة حتى كنت التي مللت فانصرفت عنه. قال عبد الرحمن عن أبيه قال: قال لي عروة: إن عائشة قالت: قال رسول الله يومئذٍ: "لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة" (٤)، أصل الحديث مخرج في الصحيحين (٥) والزيادة لها شواهد من طرق عدة، وقد استقصيت طرقها في شرح البخاري ولله الحمد والمنّة.

وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢)﴾ يأمره تعالى أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله ويذبحون لغير اسمه أنه مخالف لهم في ذلك، فإن صلاته لله ونسكه على اسمه وحده لا شريك له، وهذا كقوله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢)[الكوثر] أي: أخلص له صلاتك وذبحك، فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها، فأمره الله


(١) أخرجه الإمام أحمد من طريق سفيان الثوري عن سلمة به (المسند ٢٤/ ٧٩ ح ١٥٣٦٣) وحسنه محققوه.
(٢) في سنده محمد بن إسحاق ولم يصرح بالسماع وسنده ضعيف ويتقوى بالشواهد إذ أخرجه البخاري معلقًا وحسنه الحافظ ابن حجر بالشواهد (الفتح ١/ ٩٤).
(٣) زَّفن الحبشة أي رقص ولعب أهل الحبشة (ينظر النهاية ٢/ ٣٠٥).
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤١/ ٣٤٩ ح ٢٤٨٥٥)، وقال محققوه: سند حسن. وحسنه الحافظ ابن حجر (الفتح ٢/ ٤٤٤) وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة (ح ٨٨١).
(٥) صحيح البخاري، الصلاة، باب أصحاب الحراب في المسجد (ح ٤٥٤)، وصحيح مسلم، صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب … (ح ٨٩٢).