للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

معيشة، فلما جمعت رجعت الحركة إلى الياء لزوال الاستثقال فقيل معايش ووزنه مفاعل، لأن الياء أصلية في الكلمة بخلاف مدائن وصحائف وبصائر، جمع مدينة وصحيفة وبصيرة من مدن وصحف وأبصر، فإن الياء فيها زائدة، ولهذا تجمع على فعائل وتهمز لذلك، والله أعلم.

﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١)﴾.

ينبه تعالى بني آدم في هذا [المقام] (١) على شرف أبيهم آدم، ويبين لهم عدوهم إبليس، وما هو منطوٍ عليه من الحسد لهم ولأبيهم آدم ليحذروه ولا يتبعوا طرائقه، فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا﴾ وهذا كقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (٢٩)[الحجر] وذلك أنه تعالى لما خلق آدم بيده من طين لازب، وصوّره بشرًا سويًا ونفخ فيه من روحه، أمر الملائكة بالسجود له تعظيمًا لشأن الله تعالى وجلاله، فسمعوا كلهم وأطاعوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين، وقد تقدم الكلام على إبليس في أول تفسير سورة البقرة (٢)، وهذا الذي قررناه هو اختيار ابن جرير، أن المراد بذلك كله آدم .

وقال سفيان الثوري عن الأعمش، عن منهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ قال: خُلقوا في أصلاب الرجال، وصُوروا في أرحام النساء، رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه (٣)، ونقل ابن جرير: عن بعض السلف أيضًا أن المراد بخلقناكم ثم صورناكم الذرية.

وقال الربيع بن أنس والسدي وقتادة والضحاك في هذه الآية: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ أي: خلقنا آدم ثم صورنا الذرية (٤)، وهذا فيه نظر، لأنه قال بعد ذلك: ﴿ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ فدل على أن المراد بذلك آدم وإنما قيل ذلك بالجمع، لأنه أبو البشر، كما يقول الله تعالى لبني إسرائيل الذين كانوا في زمن النبي : ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى﴾ [البقرة: ٥٧] والمراد آباؤهم الذين كانوا في زمن موسى، ولكن لما كان ذلك منة على الآباء الذين هم أصل، صار كأنه واقع على الأبناء، وهذا بخلاف قوله: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢)﴾ الآية [المؤمنون] [فإن المراد من آدم المخلوق من السلالة] (٥) وذريته مخلوقون من نطفة، وصحَّ هذا لأن المراد من خلقنا الإنسان الجنس لا معينًا، والله أعلم.


(١) كذا في (عش) و (حم) و (مح)، وسقط في الأصل.
(٢) آية ٣٤.
(٣) أخرجه الحاكم من طريق الثوري به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٣١٩).
(٤) قول الربيع بن أنس أخرجه الطبري بسند جيد من طريق أبي جعفر عنه، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق معمر عنه، وقول الضحاك أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عبيد بن سليمان عنه، ويشهد له ما أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٥) ما بين معقوفين من (حم) و (مح)، ولا يوجد في (عش) ولا في الأصل.