للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (٢٧)﴾.

يحذِّر تعالى بني آدم من إبليس وقبيله، مبينًا لهم عداوته القديمة لأبي البشر آدم ، في سعيه في إخراجه من الجنة التي هي دار النعيم إلى دار التعب والعناء، والتسبب في هتك عورته بعد ما كانت مستورة عنه، وما هذا إلا عن عداوة أكيدة، وهذا كقوله تعالى: ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٠].

﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٢٨) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠)﴾.

قال مجاهد: كان المشركون يطوفون بالبيت عراة يقولون: نطوف كما ولدتنا أمهاتنا فتضع المرأة على فرجها النِّسعة (١) أو الشيء وتقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله … وما بدا منه فلا أحلّه (٢)

فأنزل الله: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا﴾ الآية (٣).

قلت: كانت العرب ما عدا قريشًا لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها يتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها، وكانت قريش وهم الحُمْس (٤) يطوفون في ثيابهم، ومن أعاره أحمسي ثوبًا طاف فيه، ومن معه ثوب جديد طاف فيه، ثم يلقيه فلا يتملكه أحد، ومن لم يجد ثوبًا جديدًا، ولا أعاره أحمسي ثوبًا طاف عريانًا، وربما كانت امرأة فتطوف عريانة فتجعل على فرجها شيئًا ليستره بعض الستر فتقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله … وما بدا منه فلا أحله

وأكثر ما كان النساء يطفن عراة بالليل، وكان هذا شيئًا قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم واتبعوا فيه آباءهم، ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند إلى أمر من الله وشرع، فأنكر الله تعالى عليهم ذلك، فقال: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا﴾ فقال تعالى ردًا عليهم: ﴿قُلْ﴾ أي: يا محمد لمن ادعى ذلك ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ﴾ أي: هذا الذي تضعونه فاحشة منكرة والله لا يأمر بمثل ذلك ﴿أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ أي: أتسندون إلى الله من الأقوال ما لا تعلمون صحته.


العرزمي قال عنه الحافظ ابن كثير في سورة الفتح: متروك. اهـ. وفي سنده أيضًا حامد بن آدم: كذاب كذا قال الهيثمي (مجمع الزوائد ١٠/ ٢٢٥).
(١) النسعة قطعة من الجلد مضفورة عريضة تجعل على صدر البعير.
(٢) نُسب هذا القول إلى امرأة اسمها: ضُباعة بنت عامر بن صعصعة كما في الروض الأنف (٢/ ٢٩٠).
(٣) أخرجه الطبري من طريق منصور عن مجاهد، وسنده حسن لكنه مرسل ومخالف لما في الصحيح فإن هذه القصة سبب نزول الآية ٣١ من سورة الأعراف وليس هذه الآية كما سيأتي.
(٤) الحُمْس: جمع أحمس هم قريش، لتشددهم في دينهم.