للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾ أي: بالعدل والاستقامة ﴿وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ أي: أمركم بالاستقامة في عبادته في محالها وهي متابعة المرسلين المؤيدين بالمعجزات، فيما أخبروا به عن الله وما جاؤوا به من الشرائع وبالإخلاص له في عبادته، فإنه تعالى لا يتقبل العمل حتى يجمع هذين الركنين، أن يكون صوابًا موافقًا للشريعة وأن يكون خالصًا من الشرك.

وقوله تعالى: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ﴾ اختلف في معنى قوله: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ فقال ابن أبي نجيح: عن مجاهد: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ يحييكم بعد موتكم (١).

وقال الحسن البصري: كما بدأكم في الدنيا كذلك تعودون يوم القيامة أحياء (٢).

وقال قتادة: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ قال: بدأ فخلقهم ولم يكونوا شيئًا ثم ذهبوا ثم يعيدهم (٣).

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كما بدأكم أولًا كذلك يعيدكم آخرًا، واختار هذا القول أبو جعفر بن جرير، وأيده بما رواه من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج كلاهما عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: قام فينا رسول الله بموعظة فقال: "يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلًا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدًا علينا إنا كنا فاعلين" وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث شعبة (٤)، وفي صحيح البخاري أيضًا من حديث الثوري به.

[وقال ورقاء بن إياس أبو يزيد، عن مجاهد ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾، قال: يبعث المسلم مسلمًا والكافر كافرًا (٥).

وقال أبو العالية: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ رُدُّوا إلى علمه فيهم] (٦) (٧).

وقال سعيد بن جبير: كما بدأكم تعودون كما كتب عليكم تكونون (٨)، وفي رواية كما كنتم عليه تكونون.

وقال محمد بن كعب القرظي: في قوله تعالى: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ من ابتدأ الله خلقه على الشقاوة صار إلى ما ابتدئ عليه خلقه وإن عمل بأعمال أهل السعادة، ومن ابتدأ خلقه على السعادة صار إلى ما ابتدئ خلقه عليه وإن عمل بأعمال أهل الشقاء، كما أن السحرة عملوا


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح به.
(٢) أخرجه الطبري من طريق عوف الأعرابي عن الحسن، وفي سنده وكيع بن سفيان فيه مقال، ويشهد له سابقه ولاحقه.
(٣) أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة. وسنده صحيح.
(٤) صحيح البخاري، التفسير، باب "وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم. . ." (ح ٤٦٢٥) وصحيح مسلم، الجنة ونعيمها، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة (ح ٢٨٦٠).
(٥) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق وقاء به، وفي سنده وقاء لين الحديث.
(٦) ما بين معقوفين سقط من الأصل واستدرك من (عش) و (حم) و (مح).
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد من طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية.
(٨) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق سالم الأفطس عن سعيد.