للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بأعمال أهل الشقاء ثم صاروا إلى ما ابتدؤوا عليه (١).

وقال السدي: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ﴾ يقول: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ كما خلقناكم فريق مهتدون وفريق ضلال، كذلك تعودون وتخرجون من بطون أمهاتكم (٢).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: قوله: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ﴾ قال: إن الله تعالى بدأ خلق ابن آدم مؤمنًا وكافرًا، كما قال: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ﴾ [التغابن: ٢] ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأهم مؤمنًا وكافرًا (٣).

قلت: ويتأيد هذا القول بحديث ابن مسعود في صحيح البخاري: "فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة" (٤).

وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا علي بن الجعد، حدثنا أبو [غسان] (٥)، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله : "إن العبد ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل الجنة وإنه من أهل النار، وإنه ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل النار وإنه من أهل الجنة وإنما الأعمال بالخواتيم" هذا قطعة من حديث البخاري من حديث أبي غسان محمد بن مطرف المدني في قصة قزمان يوم أحد (٦).

وقال ابن جرير: حدثني ابن بشار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن النبي أنه قال: "تبعث كل نفس على ما كانت عليه" (٧) وهذا الحديث رواه مسلم وابن ماجه من غير وجه، عن الأعمش به، ولفظه: "يبعث كل عبد على ما مات عليه" (٨) وعن ابن عباس مثله، قلت: ويتأيد بحديث ابن مسعود، قلت: ولا بد من الجمع بين هذا القول إن كان هو المراد من الآية، وبين قوله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم: ٣٠] وما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة : أن رسول الله قال: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه" (٩).

وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله يقول الله تعالى: "إني خلقت


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب بنحوه.
(٢) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٣) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق علي به.
(٤) صحيح البخاري، الخلق، باب ذكر الملائكة … (ح ٣٨٠٨).
(٥) في الأصل بياض واستدرك من (عش) و (مح) و (حم) والتخريج.
(٦) أخرجه البخاري من طريق أبي غسان به (الصحيح، القدر، باب العمل بالخواتيم ح ٦٦٠٧).
(٧) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده صحيح.
(٨) صحيح مسلم، الجنة وصفة نعيمها، باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت (ح ٢٨٧٨) وسنن ابن ماجه، الزهد، باب النية (ح ٤٢٣٠).
(٩) تقدم تخريجه في تفسير سورة الأنعام آية ٧٩.