للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ﴾ أي: ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ﴾ فيما أظهروا لك من الأقوال ﴿فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ﴾ أي: من قبل بدر بالكفر به ﴿فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ﴾ أي: بالأسارى يوم بدر ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ أي: عليم بفعله حكيم فيه.

قال قتادة: نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح الكاتب حين ارتدَّ ولحق بالمشركين (١).

وقال ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: نزلت في عباس وأصحابه حين قالوا: لننصحنَّ لك على قومنا (٢). وفسرها السدي على العموم (٣). وهو أشمل وأظهر، والله أعلم.

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢)﴾.

ذكر تعالى أصناف المؤمنين وقسمهم: إلى مهاجرين خرجوا من ديارهم وأموالهم وجاءوا لنصر الله ورسوله وإقامة دينه وبذلوا أموالهم وأنفسهم في ذلك، وإلى أنصار وهم المسلمون من أهل المدينة إذ ذاك آووا إخوانهم المهاجرين في منازلهم وواسوهم في أموالهم ونصروا الله ورسوله بالقتال معهم فهؤلاء ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ أي: كل منهم أحق بالآخر من كل أحد، ولهذا آخى رسول الله بين المهاجرين والأنصار كل اثنين أخوان، فكانوا يتوارثون بذلك إرثًا مقدمًا على القرابة حتى نسخ الله تعالى ذلك بالمواريث، ثبت ذلك في صحيح البخاري عن ابن عباس (٤)، ورواه العوفي وعلي بن أبي طلحة عنه (٥)، وقاله مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة وغير واحد (٦).

قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، عن شريك، عن عاصم، عن أبي وائل، عن جرير -هو: ابن عبد الله البجلي - قال: قال رسول الله : "المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء بعض، والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة" (٧) تفرد به أحمد.

وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا شيبان، حدثنا عكرمة -يعني: ابن إبراهيم الأزدي- حدثنا


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق سعيد بن بشير عن قتادة به وأطول، وهو مرسل، وسعيد بن بشير ضعيف كما في التقريب.
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق ابن جريج به.
(٣) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي بمعناه.
(٤) صحيح البخاري، الفرائض، باب ذوي الأرحام (ح ٦٧٤٧).
(٥) أخرجهما الطبري وطريق على يقوي طريق العوفي وكلاهما يتقوى برواية البخاري السابقة.
(٦) قول مجاهد وقتادة أخرجهما الطبري بسندين صحيحين، وقول عكرمة أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق حبيب بن الزبير عنه.
(٧) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤/ ٣٦٣)، وأخرجه الطبراني من طريق عبد الرحمن بن هلال عن جرير (المعجم الكبير ح ٢٤٣٨)، قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح (المجمع ١٠/ ١٥)، وأخرجه ابن حبان من طريق عاصم به وحسنه الأرناؤوط (الإحسان ١٦/ ٢٥٠ ح ٧٢٦٠)، وأخرجه الحاكم مثل الطبراني وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٤/ ٨٠ - ٨١)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (ح ١٠٣٦).