للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكريم وهو الحسن الكثير الطيب الشريف دائم مستمر أبدًا لا ينقطع ولا ينقضي ولا يسأم ولا يمل لحسنه وتنوعه. ثم ذكر أن الأتباع لهم في الدنيا على ما كانوا عليه من الإيمان والعمل الصالح فهم معهم في الآخرة، كما قال: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ﴾ الآية [التوبة: ١٠٠] وقال: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٠)[الحشر]. وفي الحديث المتفق عليه بل المتواتر من طرق صحيحة، عن رسول الله أنه قال: "المرء مع من أحب" (١). وفي الحديث الآخر: "من أحب قومًا حشر معهم" (٢).

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، عن شريك، عن عاصم، عن أبي وائل، عن جرير قال: قال رسول الله : "المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء لبعض، والطلقاء من قريش، والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة" قال شريك: فحدثنا الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عبد الرحمن بن هلال، عن جرير، عن النبي مثله (٣)، تفرد به أحمد من هذين الوجهين.

وأما قوله تعالى: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ أي: في حكم الله وليس المراد بقوله: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ﴾ خصوصية ما يطلقه علماء الفرائض على القرابة الذين لا فرض لهم ولا هم عصبة، بل يدلون بوارث كالخالة والخال والعمة وأولاد البنات وأولاد الأخوات ونحوهم، كما قد يزعمه بعضهم ويحتج بالآية ويعتقد ذلك صريحًا في المسألة بل الحق أن الآية عامة تشمل جميع القرابات، كما نصَّ [عليه] (٤) ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة وغير واحد على أنها ناسخة للإرث بالحلف والإخاء اللذين كانوا يتوارثون به أولًا (٥)، وعلى هذا فتشمل [ذوي] (٦) الأرحام بالاسم الخاص، ومن لم يورثهم يحتج بأدلة من أقواها حديث: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" (٧).

قالوا: فلو كان ذا حق لكان ذا فرض في كتاب الله مسمى فلما لم يكن كذلك لم يكن وارثًا، والله أعلم.

آخر سورة الأنفال، ولله الحمد والمنَّة، وعليه التكلان وهو حسبنا ونعم الوكيل.


(١) تقدم تخريجه وصحته في تفسير سورة الأعراف آية ١٨٧.
(٢) أخرجه الطبراني من حديث علي (ح ٨٧٤) قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن ميمون الخياط وقد وثق (مجمع الزوائد ١٠/ ٢٧٩)، وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير ٣/ ١٩ ح ٢٥١٩)، من حديث أبي قرصافه وجابر، ويشهد له الحديث السابق.
(٣) تقدم تخريجه وثبوته في تفسير الآية ٧٢ من هذه السورة.
(٤) الزيادة من "مح".
(٥) قول ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم وابن الجوزي من طريقين يقوي أحدهما الآخر (نواسخ القرآن ص ٣٥٣)، وقول قتادة أخرجه الطبري والنحاس بسند صحيح من طريق معمر وسعيد بن أبي عروبة عنه (الناسخ والمنسوخ ٢/ ٣٩٤) وقول عكرمة أخرجه ابن الجوزي بسند حسن من طريق حبيب بن الزبير عنه (نواسخ القرآن ص ٣٥٥).
(٦) كذا في (عم) و (حم) و (مح) وفي الأصل: "ذكر".
(٧) أخرجه أبو داود من حديث أبي أمامة (السنن، الوصايا، باب في الوصية للوارث ح ٢٨٧٠)، وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح سنن أبي داود ح ٢٤٩٤). وأخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح (السنن، الوصايا، باب ما جاء لا وصية لوارث ح ٢١٢٠).