للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ورواه ابن جرير من حديث [عبثر بن القاسم] (١) عن حصين، عن زيد بن وهب، عن أبي ذرٍّ .. فذكره وزاد: فارتفع في ذلك بيني وبينه القول، فكتب إلى عثمان يشكوني، فكتب إليَّ عثمان أن أقبل إليه قال: فأقبلت إليه، فلما قدمت المدينة ركبني الناس كأنهم لم يروني قبل يومئذٍ، فشكوت ذلك إلى عثمان فقال لي: تنح قريبًا. قلت: والله لن أدع ما كنت أقول (٢).

(قلت): كان من مذهب أبي ذرٍّ تحريم ادخار ما زاد على نفقة العيال، وكان يُفتي بذلك ويحثهم عليه ويأمرهم به ويغلظ في خلافه، فنهاه معاوية، فلم ينته فخشي أن يضرَّ الناس في هذا، فكتب يشكوه إلى أمير المؤمنين عثمان وأن يأخذه إليه فاستقدمه عثمان إلى المدينة وأنزله بالرّبذة وحده وبها مات في خلافة عثمان.

وقد اختبره معاوية وهو عنده هل يوافق عمله قوله؟ فبعث إليه بألف دينار ففرقها من يومه ثم بعث إليه الذي أتاه بها فقال: إن معاوية إنما بعثني إلى غيرك فأخطأت فهات الذهب، فقال: ويحك إنها خرجت ولكن إذا جاء مالي حاسبناك به.

وهكذا روى علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس أنها عامة (٣).

وقال السدي: هي في أهل القبلة (٤).

وقال الأحنف بن قيس: قدمت المدينة فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش، إذ جاء رجل أخشن الثياب أخشن الجسد أخشن الوجه، فقام عليهم فقال: بشر الكنازين برضف (٥) يحمى عليه في نار جهنم فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه يتزلزل قال: فوضع القوم رؤوسهم، فما رأيت أحدًا منهم رجع إليه شيئًا؛ قال: وأدبر فاتبعته حتى جلس إلى سارية؛ فقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم؛ فقال: إن هؤلاء لا يعلمون شيئًا (٦).

وفي الصحيح أن رسول الله قال لأبي ذرٍّ: "ما يسرني أن عندي مثل أُحد ذهبًا يمر عليّ ثلاثة أيام وعندي منه شيء إلا دينار أرصده لدين" (٧). فهذا -والله أعلم- هو الذي حدا بأبي ذرٍّ على القول بهذا.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن، عن


(١) كذا في (حم) و (عم) وفي الأصل غير منقوطة وفي (مح): عبيد بن القاسم، وفي الطبري الراوي عن حصين هو: "هشيم".
(٢) أخرجه الطبري من طريق هشيم عن حصين به بدون الزيادة.
(٣) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.
(٤) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٥) أي الحجارة المحماه على النار.
(٦) أخرجه مسلم من طريق أبي العلاء عن الأحنف بن قيس بنحوه (الصحيح، الزكاة، باب في الكنازين للأموال والتغليظ عليهم ح ٩٩٢).
(٧) أخرجه مسلم من طريق زيد بن وهب عن أبي ذرٍّ بلفظه وأطول (الصحيح، الزكاة، باب الترغيب في الصدقة ح ٣٢/ ٢٩٩٠).