للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وامرأته تعينه في ذلك كانت يوم القيامة عونًا على عذابه أيضًا ﴿فِي جِيدِهَا﴾ أي عنقها ﴿حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ [المسد: ٥] أي: تجمع من الحطب في النار وتلقي عليه ليكون، ذلك أبلغ في عذابه ممن هو أشفق عليه في الدنيا كما أن هذه الأموال لما كانت أعزَّ الأشياء على أربابها كانت أضرَّ الأشياء عليهم في الدار الآخرة، فيُحمى عليها في نار جهنم وناهيك بحرها فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم.

قال سفيان، عن الأعمش، عن عبد الله بن عمرو بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود: والذي لا إله غيره لا يكوى عبد يكنز فيمس دينار دينارًا ولا درهم درهمًا، ولكن يوسع جلده فيوضع كل دينار ودرهم على حدته (١)، وقد رواه ابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعًا ولا يصح رفعه والله أعلم.

وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: بلغني أن الكنز يتحول يوم القيامة شجاعًا يتبع صاحبه وهو يفرُّ منه ويقول: أنا كنزك لا يدرك منه شيئًا إلا أخذه (٢).

وقال الإمام أبو جعفر ابن جرير: حدثنا بشر، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان أن رسول الله كان يقول: "من ترك بعده كنزًا مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان يتبعه ويقول: ويلك ما أنت؟ فيقول: أنا كنزك الذي تركته بعدك ولا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقضمها ثم يتبعها سائر جسده" (٣). ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث يزيد عن سعيد به وأصل هذا الحديث في الصحيحين من رواية أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة .

وفي صحيح مسلم من حديث سُهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل له يوم القيامة صفائح من نار فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار … " (٤) وذكر تمام الحديث.

وقال البخاري في تفسير هذه الآية: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن حصين، عن زيد بن وهب قال: مررت على أبي ذرِّ بالربذة فقلت: ما أنزلك بهذه الأرض؟ قال: كنا بالشام فقرأت ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ فقال معاوية: ما هذه إلا في أهل الكتاب، قال: قلت: إنها لفينا وفيهم (٥).


(١) أخرجه سفيان الثوري في تفسيره بسنده بنحوه، وسنده صحيح.
(٢) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه، وسنده صحيح لكنه مرسل، ويشهد له الحديث الآتي الصحيح عن أبي هريرة مرفوعًا.
(٣) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وأخرجه ابن خزيمة (الصحيح ح ٢٢٥٥)، وابن حبان (الإحسان ح ٨٠٣) كلاهما من طريق بشر به، ويشهد له الحديث المتفق عليه التالي.
(٤) صحيح البخاري، التفسير باب ﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ … ﴾ [التوبة: ١٢] (ح ٤٦٥٩) وصحيح مسلم، الزكاة، باب أثم مانع الزكاة (ح ٩٨٧).
(٥) صحيح البخاري، الباب السابق (ح ٤٦٦٠).