للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَالْفِضَّةَ﴾ الآية، كَبُر ذلك على المسلمين وقالوا: ما يستطيع أحد منا أن يترك لولده مالًا يبقى بعده. فقال عمر: أنا أفرج عنكم فانطلق عمر واتبعه ثوبان فأتى النبي فقال: يا نبي الله إنه قد كَبُر على أصحابك هذه الآية، فقال رسول الله : "إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث من أموال تبقى بعدكم" قال: فكبَّر عمر، ثم قال له النبي : "ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته" (١).

ورواه أبو داود والحاكم في مستدركه وابن مردويه من حديث يحيى بن يعلى به، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه (٢).

(حديث آخر): قال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا الأوزاعي، عن حسان بن عطية قال: كان شداد بن أوس في سفر فنزل منزلًا فقال لغلامه: ائتنا بالشفرة (٣) نعبث بها فأنكرت عليه فقال: ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت إلا وأنا أخطمها وأزمُّها غير كلمتي هذه فلا تحفظوها عليَّ، واحفظوا ما أقول لكم سمعت رسول الله يقول: "إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وأسألك حسن عبادتك، وأسألك قلبًا سليمًا، وأسألك لسانًا صادقًا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب" (٤).

وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥)﴾ أي: يقال لهم هذا الكلام تبكيتًا وتقريعًا وتهكمًا كما في قوله: ﴿ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩)[الدخان] أي: هذا بذاك وهذا الذي كنتم تكنزون لأنفسكم، ولهذا يقال من أحب شيئًا وقدمه على طاعة الله عُذِّب به، وهؤلاء لما كان جمع هذه الأموال آثر عندهم من رضا الله عنهم عُذِّبوا بها كما كان أبو لهب -لعنه الله- جاهدًا في عداوة رسول الله


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لأن أبا اليقظان عثمان البجلي الكوفي الأعمى ضعيف اختلط وكان يدلس ويغلوا في التشيع كما في التقريب.
(٢) سنن أبي داود، الزكاة، باب في حقوق المال (ح ١٦٦٤)، والمستدرك ٢/ ٣٣٣ وصححه الحاكم وقد استدرك الذهبي عليه بقوله: عثمان لا أعرفه والخبر عجيب.
(٣) كذا في النسخ الخطية وجامع المسانيد ٤/ ١٨٧ ح ٥١٠٧، وفي المسند: بالسُفرة. والسفرة قال ابن الأثير: السفرة: طعام يتخذه المسافر، وأكثر ما يحمل في جلد مستدير فنقل اسم الطعام إلى الجلد وسُمي به (النهاية ٢/ ٣٧٣)، أما لفظ الشفرة فيحتمل السكين العريضة، ونقل محققو طبعة الشعب عن اللسان أن الشفرة والشفيرة التي تقنع من النكاح بأيسره. وأراه بعيدًا عن مقام الصحابي، وفي كل الحالات أن هذا اللفظ لم يثبت بسند متصل صحيح كما يلي.
(٤) أخرجه الإمام بسنده ومتنه (المسند ٢٨/ ٣٣٨ ح ١٧١١٤)، قال الحافظ ابن كثير: وعندي في سماع حسان منه نظر (جامع المسانيد ٤/ ١٨٧)، وقال محققو المسند حسن بطرقه، حسان بن عطية لم يدرك شداد بن أوس، وقد أخرجه الطبراني بسند متصل من طريق حسان بن عطية عن أبي عبيد الله مسلم بن مشكم عن شداد به ولكن ليس فيه قصة الشفرة أو السفرة، وأخشى أن تكون مقحمة، فإن سندها منقطع لم يصح (المعجم الكبير ٧/ ٣٤٥ ح ٧١٥٧).