للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بعض في الشهر الحرام يلقى الرجل قاتل أبيه ولا يمد إليه يده، فلما كان هو قال: اخرجوا بنا. قالوا له: هذا المحرم. قال: ننسئه العام هما العام صفران، فإذا كان العام القابل قضينا جعلناهما محرمين، قال ففعل ذلك فلما كان عام قابل قال: لا تغزوا في صفر حرموه مع المحرم هما محرمان (١).

فهذه صفة غريبة في النسيء، وفيها نظر لأنهم في عام إنما يحرمون على هذا ثلاثة أشهر فقط وفي العام الذي يليه يحرمون خمسة أشهر فأين هذا من قوله تعالى: ﴿يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّه﴾.

وقد روي عن مجاهد صفة أخرى غريبة أيضًا فقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ الآية، قال: فرض الله ﷿ الحج في ذي الحجة، قال: وكان المشركون يُسمُّون الأشهر: ذا الحجة المحرم، وصفر، وربيع، وربيع، وجمادى، وجمادى، ورجب، وشعبان، ورمضان، وشوالًا، وذا القعدة، وذا الحجة يحجُّون فيه مرة ثم يسكتون عن المحرم ولا يذكرونه، ثم يعودون فيسمون صفرًا، ثم يسمون رجب جمادى الآخرة، ثم يسمون شعبان رمضان، ثم يسمون شوالًا رمضان، ثم يسمون ذا القعدة شوالًا، ثم يسمون ذا الحجة ذا القعدة، ثم يسمون المحرم ذا الحجة، فيحجون فيه واسمه عندهم: ذا الحجة. ثم عادوا بمثل هذه الصفة فكانوا يحجون في كل عام شهرين حتى إذا وافق حجة أبي بكر الآخر من العامين في ذي القعدة، ثم حجَّ النبي حجته التي حج فوافق ذا الحجة فذلك حين يقول النبي في خطبته: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض" (٢).

وهذا الذي قاله مجاهد فيه نظر أيضًا وكيف تصح حجة أبي بكر وقد وقعت في ذي القعدة؟ وأنى هذا؟

وقد قال الله تعالى: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ الآية [التوبة: ٣] وإنما نودي به في حجة أبي بكر فلو لم تكن في ذي الحجة لما قال تعالى: ﴿يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ﴾ ولا يلزم من فعلهم النسيء هذا الذي ذكره من دوران السنة عليهم وحجهم في كل شهر عامين، فإن النسيء حاصل بدون هذا فإنهم لما كانوا يحلُّون شهر المحرم عامًا يحرمون عوضه صفرًا وبعده ربيع وربيع إلى آخر السنة بحالها على نظامها وعدتها وأسماء شهورها، ثم في السنة الثانية يحرمون المحرم ويتركونه على تحريمه، وبعده صفر وربيع وربيع إلى آخرها ﴿يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ﴾ أي: في تحريم أربعة أشهر من السنة إلا أنهم تارة يقدمون تحريم الشهر الثالث من الثلاثة المتوالية وهو المحرم وتارة ينسئونه إلى صفر أي: يؤخرونه.

وقد قدمنا الكلام على قوله : "إن الزمان قد استدار" (٣) الحديث، أي: إن الأمر في عدة الشهور وتحريم ما هو محرم منها على ما سبق في كتاب الله من العدد والتوالي لا كما تعتمده


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن عبد الرحمن.
(٢) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه، وسنده صحيح، ولكن روايته للحديث الشريف مرسل وقد تقدم تخريج الحديث وصحته في تفسير الآية السابقة.
(٣) تقدم تخريجه وصحته في تفسير الآية السابقة.