للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جهلة العرب من فصلهم تحريم بعضها بالنسيء عن بعض والله أعلم.

وقال ابن أبي حاتم: [حدثنا صالح بن بشير] (١) بن سلمة الطبراني، حدثنا مكي بن إبراهيم، حدثنا موسى بن عبيدة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر أنه قال: وقف رسول الله بالعقبة فاجتمع إليه من شاء الله من المسلمين، فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل، ثم قال: "إنما النسيء من الشيطان زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عامًا ويحرمونه عامًا" فكانوا يحرمون المحرم عامًا ويستحلون صفر ويستحلون المحرم هو النسيء (٢).

وقد تكلم الإمام محمد بن إسحاق على هذا في كتاب السيرة كلامًا جيدًا مفيدًا حسنًا فقال: كان أول من نسأ الشهور على العرب فأحلَّ منها ما حرم الله وحرَّم منها ما أحلّ الله ﷿ القلمس وهو: حذيفة بن عبد فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ثم قام بعده على ذلك ابنه عباد، ثم من بعد عباد ابنه قلع بن عباد، ثم ابنه أُمية بن قلع، ثم ابنه عوف بن أُمية، ثم ابنه أبو ثمامة جنادة بن عوف وكان آخرهم وعليه قام الإسلام، فكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه فقام فيهم خطيبًا فحرم رجبًا وذا القعدة وذا الحجة ويحل المحرم عامًا ويجعل مكانه صفر ويحرمه ليواطيء عدة ما حرم الله، فيحلُّ ما حرم الله يعني ويحرم ما أحلَّ الله (٣).

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (٣٨) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩)﴾.

هذا شروع في عتاب من تخلف عن رسول الله في غزوة تبوك حين طابت الثمار والظلال في شدة الحر وحمارَّة القيظ (٤) فقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي: إذا دعيتم إلى الجهاد في سبيل الله ﴿اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ﴾ أي: تكاسلتم وملتم إلى المقام في الدعة والخفض وطيب الثمار ﴿أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ﴾ أي: ما لكم فعلتم هكذا أرضىً منكم بالدنيا بدلًا من الآخرة؟ ثم زهَّد في الدنيا، ورغَّب في الآخرة فقال: ﴿فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ كما قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع ويحيى بن سعيد قالا: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن المستورد أخي بني فهر قال: قال رسول الله : "ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم فلينظر بم ترجع؟ " وأشار بالسبابة (٥). انفرد بإخراجه مسلم (٦).


(١) كذا ترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ٤/ ٣٩٦، وفي النسخ الخطية وتفسير ابن أبي حاتم باسم: صالح بن بشر، وهو تصحيف.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه مع الفرق السابق، وسنده ضعيف لضعف موسى بن عبيدة وهو الربذي.
(٣) ذكره ابن هشام في السيرة النبوية ١/ ٤٤ - ٤٥.
(٤) أي شدة الحر (النهاية ١/ ٤٣٩) وفي إيراده تأكيد للجملة السابقة.
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤/ ٢٢٨)، وسنده صحيح.
(٦) أخرجه مسلم من طريق يحيى بن سعيد به (الصحيح، الجنة، باب فناء الدنيا ح ٢٨٥٨).