للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رسول الله إلى الجهاد فتعين عليهم ذلك فلو تركوه لعوقبوا عليه، وهذا له اتجاه. والله أعلم بالصواب.

﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠)﴾.

يقول تعالى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ﴾ أي: تنصروا رسوله فإن الله ناصره ومؤيده وكافيه وحافظه كما تولى نصره ﴿إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾ أي: عام الهجرة لما همَّ المشركون بقتله أو حبسه أو نفيه، فخرج منهم هاربًا بصحبة صديقه وصاحبه أبي بكر بن أبي قحافة، فلجأ إلى غار ثور ثلاثة أيام ليرجع الطلب الذين خرجوا في آثارهم ثم يسيروا نحو المدينة، فجعل أبو بكر يجزع أن يطَّلع عليهم أحد فيخلص إلى رسول الله منهم أذى، فجعل النبي يسكنه ويثبته ويقول: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما" كما قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا همام، أنبأنا ثابت، عن أنس أن أبا بكر حدثه قال: قلت للنبي ونحن في الغار: لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه قال: فقال: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما" (١). أخرجاه في الصحيحين (٢)، ولهذا قال تعالى: ﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾ أي: تأييده ونصره عليه أي: على الرسول في أشهر القولين، وقيل على أبي بكر، وروي عن ابن عباس وغيره قالوا: لأن الرسول لم تزل معه سكينة (٣). وهذا لا ينافي تجدُّد سكينة خاصة بتلك الحال ولهذا قال: ﴿وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا﴾ أي: الملائكة.

﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا﴾ قال ابن عباس يعني ﴿كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الشرك ﴿وَكَلِمَةُ اللَّهِ﴾ هي: لا إله إلا الله (٤).

وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: سئل رسول الله عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" (٥).

وقوله: ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ﴾ أي: في انتقامه وانتصاره، منيع الجناب لا يضام من لاذ ببابه، واحتمى بالتمسك بخطابه ﴿حَكِيمٌ﴾ في أقواله وأفعاله.


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١/ ٤) وسنده صحيح.
(٢) صحيح البخاري، المناقب، باب مناقب المهاجرين (ح ٣٦٥٣) وصحيح مسلم، فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق (ح ٢٣٨١).
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس.
(٤) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٥) صحيح البخاري، الجهاد، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا (ح ٢٨١٠)، وصحيح مسلم، الإمارة، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله (ح ١٩٠٥).