للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رسول الله جالسًا على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص، وقد فَضَل عنه من عِظَمِه يريد الغزو فقلت له: قد أعذر الله إليك فقال: أتت علينا سورة البعوث ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾ (١).

وقال ابن جرير: [حدثني سعيد بن عمرو السكوني، حدثنا بقية، حدثنا حريز] (٢)، حدثني حبان بن زيد الشرعبي قال: نفرنا مع صفوان بن عمرو وكان واليًا على حمص قبل الأفسوس (٣) إلى الجراجمة (٤) فرأيت شيخًا كبيرًا همًّا قد سقط حاجباه على عينيه من أهل دمشق على راحلته فيمن أغار، فأقبلت إليه فقلت: يا عم لقد أعذر الله إليك. قال: فرفع حاجبيه فقال: يا ابن أخي استنفرنا الله خفافًا وثقالًا ألا إنه من يحبه الله يبتليه ثم يعيده الله فيبقيه وإنما يبتلي الله من عباده من شكر وصبر وذكر ولم يعبد إلا الله ﷿ (٥).

ثم رغَّب تعالى في النفقة في سبيله وبذل المهج في مرضاته ومرضاة رسوله فقال: ﴿وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي: هذا خير لكم في الدنيا والآخرة لأنكم تغرمون في النفقة قليلًا فيغنمكم الله أموال عدوكم في الدنيا مع ما يدخر لكم من الكرامة في الآخرة كما قال النبي : "تكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفَّاه أن يدخله الجنة، أو يرده إلى منزله بما نال من أجر أو غنيمة" ولهذا قال الله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٢١٦)[البقرة].

ومن هذا القبيل ما رواه الإمام أحمد حدثنا: محمد بن أبي عدي، عن حميد، عن أنس أنّ رسول الله قال لرجل: "أسلم" قال: أجدني كارهًا قال: "أسلم وإن كنت كارهًا" (٦).

﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٤٢)﴾.

يقول تعالى موبخًا للذين تخلفوا عن النبي في غزوة تبوك وقعدوا بعدما استأذنوه في ذلك مظهرين أنهم ذوو أعذار ولم يكونوا كذلك فقال: ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا﴾ قال ابن عباس: غنيمة قريبة (٧). ﴿وَسَفَرًا قَاصِدًا﴾ أي: قريبًا أيضًا ﴿لَاتَّبَعُوكَ﴾ أي: لكانوا جاءوا معك لذلك ﴿وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ﴾ أي: المسافة إلى الشام ﴿وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ﴾ أي: لكم إذا رجعتم إليهم ﴿لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ﴾ أي: لو لم يكن لنا أعذار لخرجنا معكم قال الله تعالى: ﴿يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾.


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده حسن وبقية صرح بالسماع.
(٢) زيادة من (مح) إذ لا توجد في النسخ الأخرى.
(٣) الأفسوس: بلد بثغور طرسوس في سوريا (ينظر: معجم البلدان ١/ ٣٣٠).
(٤) الجراجمه: قوم من نبط الشام.
(٥) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده حسن كسابقه.
(٦) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١٩/ ١١٧ ح ١٢٠٦١)، وصحح سنده محققوه.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق الضحاك عن ابن عباس، لأن الضحاك لم يلق ابن عباس .