للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

له ﴿وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ﴾ أي: أبغض أن يخرجوا معك قدرًا ﴿فَثَبَّطَهُمْ﴾ أي: أخرهم ﴿وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ أي: قدرًا.

ثم بيّن تعالى وجه كراهيته لخروجهم مع المؤمنين فقال: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا﴾ أي: لأنهم جبناء مخذولون ﴿وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ﴾ أي: ولأسرعوا السير والمشي بينكم بالنميمة والبغضاء والفتنة ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ أي: مطيعون لهم ومستحسنون لحديثهم وكلامهم يستنصحونهم وإن كانوا لا يعلمون حالهم فيؤدي إلى وقوع شرٍّ بين المؤمنين وفساد كبير.

وقال مجاهد (١) [وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وابن جَريج] (٢): ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ أي: عيون يسمعون لهم الأخبار وينقلونها إليهم، وهذا لا يبقى له اختصاص بخروجهم معهم بل هذا عام في جميع الأحوال، والمعنى الأول أظهر في المناسبة بالسياق، وإليه ذهب قتادة وغيره من المفسرين.

وقال محمد بن إسحاق: كان الذين استأذنوا فيما بلغني من ذوي الشرف منهم عبد الله بن أُبي بن سلول، والجدُّ بن قيس وكانوا أشرافًا في قومهم فثبَّطهم الله لعلمه بهم أن يخرجوا معه، فيفسدوا عليه جنده وكان في جنده قوم أهل محبة لهم وطاعة فيما يدعونهم إليه لشرفهم فيهم فقال: ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ (٣).

ثم أخبر تعالى عن تمام علمه فقال: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِين﴾ فأخبر بأنه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون؟ ولهذا قال تعالى: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا﴾ فأخبر عن حالهم كيف يكون لو خرجوا؟ ومع هذا ما خرجوا كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٨] وقال تعالى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)[الأنفال] وقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (٦٦) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (٦٧) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (٦٨)﴾ والآيات [النساء] في هذا كثيرة.

﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (٤٨)﴾.

يقول تعالى محرِّضًا لنبيه على المنافقين: ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ﴾ أي: لقد أعملوا فكرهم وأجالوا آراءهم في كيدك وكيد أصحابك وخذلان دينك وإخماله مدة طويلة، وذلك أول مقدم النبي المدينة؛ رمته العرب عن قوس واحدة، وحاربته يهود


(١) قول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه.
(٢) في النسخ الخطية والنسخ المطبوعة: وزيد بن أسلم وابن جرير، والتصويب من تفسير الطبري إذ أخرجه بالسند المتكرر من طريق الحسين، وهو سنيد، عن حجاج عن ابن جريج وكذلك أخرجه سعيد بن منصور عن ابن جريج (السنن، التفسير ح ١٢٠)، وكذلك أخرجه الطبري بالسند الصحيح المتكرر من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وليس عن زيد بن أسلم، وقد أخرجه الثعلبي أيضًا عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (الكشف والبيان ج ٣/ ل ٨٧ ب).
(٣) أخرجه الطبري من طريق سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق، وذكره ابن هشام (السيرة النبوية ٢/ ٥٤٩).