للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال قتادة في قوله: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾: يقول: ومنهم من يطعن عليك في الصدقات، وذُكر أن رجلًا من أهل البادية حديثَ عهدٍ بأعرابيّةٍ أتى النبي وهو يقسم ذهبًا وفضة فقال: يا محمد والله لئن كان الله أمرك أن تعدل ما عدلت. فقال نبي الله : "ويلك فمن ذا الذي يعدل عليك بعدي؟ " ثم قال نبي الله: "احذروا هذا وأشباهه فإن في أمتي أشباه هذا يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، فإذا خرجوا فاقتلوهم ثم إذا خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم" وذُكر لنا أن نبي الله كان يقول: "والذي نفسي بيده ما أعطيكم شيئًا ولا أمنعكموه إنما أنا خازن" (١).

وهذا الذي ذكره قتادة يشبه ما رواه الشيخان من حديث الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد في قصة ذي الخويصرة واسمه: حرقوص لما اعترض على النبي حين قسم غنائم حُنين فقال له: اعدل فإنك لم تعدل فقال: "لقد خِبتَ وخسرت إن لم أكن أعدل" ثم قال رسول الله وقد رآه مقفيًا (٢): "إنه يخرج من ضئضيء (٣) هذا قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإنهم شر قتلى تحت أديم السماء" (٤) وذكر بقية الحديث.

ثم قال تعالى منبهًا لهم على ما هو خير لهم من ذلك فقال: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (٥٩)﴾ فتضمنت هذه الآية الكريمة أدبًا عظيمًا وسرًا شريفًا حيث جعل الرضا بما آتاه الله ورسوله والتوكل على الله وحده وهو قوله: ﴿وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ﴾، وكذلك الرغبة إلى الله وحده في التوفيق لطاعة الرسول وامتثال أوامره، وترك زواجره، وتصديق أخباره، والاقتفاء بآثاره.

﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠)﴾.

لما ذكر تعالى اعتراض المنافقين الجهلة على النبي ولمزهم إياه في قسم الصدقات بيَّن تعالى أنه هو الذي قسمها وبين حكمها وتولى أمرها بنفسه، ولم يكل قسمها إلى أحد غيره فجزأها لهؤلاء المذكورين كما رواه الإمام أبو داود في سننه من حديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعمُ -وفيه ضعف-، عن زياد بن نُعيم، عن زياد بن الحارث الصدائي قال: أتيت النبي فبايعته فأتى رجل فقال: أعطني من الصدقة فقال له: "إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أصناف، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك" (٥).


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة لكنه مرسل، والشق الأول يشهد له ما يليه في الصحيحين.
(٢) أي موليًا قفاه.
(٣) أي يخرج من نسله وعَقِبه (النهاية ٣/ ٦٩).
(٤) صحيح البخاري، المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام (ح ٣٦١٠)، وصحيح مسلم، الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم (ح ١٠٦٤).
(٥) أخرجه أبو داود بسنده ومتنه (السنن، الزكاة، باب من يعطي من الصدقة … ح ١٦٣٠)، وسنده ضعيف، لضعف عبد الرحمن بن زياد بن أنعُم، وهو الإفريقي.