للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال قتادة: هذا من المقدم والمؤخر تقديره: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة (١). واختار ابن جرير قول الحسن، وهو القول القوي الحسن.

وقوله: ﴿وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ أي: ويريد أن يميتهم حين يميتهم على الكفر، ليكون ذلك أنكى لهم وأشد لعذابهم. عياذًا بالله من ذلك، وهذا يكون من باب الاستدراج لهم فيما هم فيه.

﴿وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧)﴾.

يخبر الله تعالى نبيه عن جزعهم وفزعهم وفرقهم وهلعهم أنهم ﴿وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ﴾ يمينًا مؤكدة ﴿وَمَا هُمْ مِنْكُمْ﴾ أي: في نفس الأمر ﴿وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ﴾ أي: فهو الذي حملهم على الحلف

﴿لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً﴾ أي: حصنًا يتحصنون به وحرزًا يتحرزون به ﴿أَوْ مَغَارَاتٍ﴾ وهي التي في الجبال ﴿أَوْ مُدَّخَلًا﴾ وهو السرب في الأرض والنفق قال ذلك في الثلاثة ابن عباس ومجاهد وقتادة (٢).

﴿لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ﴾ أي: يسرعون في ذهابهم عنكم لأنهم إنما يخالطونكم كرهًا لا محبة، وودُّوا أنهم لا يخالطونكم ولكن للضرورة أحكام، ولهذا لا يزالون في همّ وحزن وغمٍّ لأن الإسلام وأهله لا يزال في عز ونصر ورفعة، فلهذا كلما سُرَّ المسلمون ساءهم ذلك، فهم يودون أن لا يخالطوا المؤمنين ولهذا قال: ﴿لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧)﴾.

﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (٥٩)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ﴾ أي: ومن المنافقين ﴿مَنْ يَلْمِزُكَ﴾ أي: يعيب عليك ﴿فِي﴾ قسم ﴿الصَّدَقَاتِ﴾ إذا فرقتها، ويتهمك في ذلك وهم المتَّهمون المأبونون، وهم مع هذا لا ينكرون للدين، وإنما ينكرون لحظ أنفسهم ولهذا ﴿فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾ أي: يغضبون لأنفسهم.

قال ابن جريج: أخبرني داود بن أبي عاصم قال: أتى النبي بصدقة قسمها ههنا وههنا حتى ذهبت قال: ووراءه رجل من الأنصار فقال: ما هذا بالعدل فنزلت هذه الآية (٣).


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة بنحوه.
(٢) أخرجه الطبري عنهم كما في الأسانيد الثلاثة المتقدمة في الآية السابقة.
(٣) أخرجه الطبري بسند ضعيف عن ابن جريج به، وفيه أيضًا إرسال داود بن أبي عاصم فهو تابعي، ويشهد له ما صح في قصة ذي الخويصرة كما سيأتي في الرواية بعد التالية.