للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأعداء مما يسره ويسر أصحابه ساءهم ذلك ﴿وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ﴾ أي: قد احترزنا من متابعته من قبل هذا ﴿وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ﴾

فأرشد الله تعالى رسول الله إلى جوابهم في عداوتهم هذه التامة فقال: ﴿قُل﴾ أي: لهم ﴿لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ أي: نحن تحت مشيئته وقدره ﴿هُوَ مَوْلَانَا﴾ أي: سيدنا وملجؤنا ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ أي: ونحن متوكلون عليه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (٥٢) قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (٥٣) وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (٥٤)﴾.

يقول تعالى: ﴿قُل﴾ لهم يا محمد ﴿هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا﴾ أي: تنتظرون بنا ﴿إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ شهادة أو ظفر بكم؛ قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم (١).

﴿وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا﴾ أي: ننتظر بكم هذا أو هذا إما ﴿أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا﴾ بسبي أو بقتل ﴿فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ﴾.

وقوله تعالى: ﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا﴾ أي: مهما أنفقتم من نفقة طائعين أو مكرهين ﴿لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾.

ثم أخبر تعالى عن سبب ذلك وهو أنهم لا يتقبل منهم ﴿إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ﴾ أي: والأعمال إنما تصح بالإيمان ﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى﴾ أي: ليس لهم قصد صحيح ولا هِمَّة في العمل ﴿وَلَا يُنْفِقُونَ﴾ نفقة ﴿إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾، وقد أخبر الصادق المصدوق : "أن الله لا يملّ حتى تملّوا"، "وأن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا" (٢). فلهذا لا يقبل الله من هؤلاء نفقة ولا عملًا؛ لأنه إنما يتقبل من المتقين.

﴿فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (٥٥)﴾.

يقول تعالى لرسوله : ﴿فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ﴾ كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٣١)[طه]. وقال: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٦)[المؤمنون].

وقوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قال الحسن البصري: بزكاتها والنفقة منها في سبيل الله.


(١) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عنه، وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عنه.
(٢) حديث صحيح تقدم تخريجه.