للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأعراب عن المجيء للاعتذار ثم أوعدهم بالعذاب الأليم فقال: ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (٩٢) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٩٣)﴾.

ثم بيَّن تعالى الأعذار التي لا حرج على من قعد معها عن القتال، فذكر منها ما هو لازم للشخص لا ينفك عنه وهو الضعف في التركيب الذي لا يستطيع معه الجِلاد في الجهاد، ومنه العمى والعرج ونحوهما، ولهذا بدأ به، ومنه ما هو عارض بسبب مرض عنّ له في بدنه شغله عن الخروج في سبيل الله أو بسبب فقره لا يقدر على التجهيز للحرب، فليس على هؤلاء حرج إذا قعدوا ونصحوا في حال قعودهم ولم يرجفوا بالناس ولا يثبطوهم وهم محسنون في حالهم هذا، ولهذا قال: ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

وقال سفيان الثوري، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي ثمامة قال: قال الحواريون يا روح الله أخبرنا عن الناصح لله؟ قال: الذي يؤثر حقَّ الله على حقِّ الناس، وإذا حدث له أمران أو بدا له أمر الدنيا وأمر الآخرة، بدأ بالذي للآخرة ثم تفرغ للذي للدنيا (١).

وقال الأوزاعي: خرج الناس إلى الاستسقاء فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا معشر من حضر ألستم مقرين بالإساءة؟ قالوا: اللَّهم نعم، فقال: اللَّهم إنَّا نسمعك تقول: ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ﴾ اللَّهم وقد أقررنا بالإساءة فاغفر لنا وارحمنا واسقنا، ورفع يديه، ورفعوا أيديهم فسُقوا (٢).

وقال قتادة: نزلت هذه الآية في عائذ بن عمرو المزني (٣).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا هشام بن عبيد الله الرازي، حدثنا ابن جابر، عن ابن فروة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب لرسول الله فكنت أكتب براءة، فإني لواضع القلم على أُذني إذ أمرنا بالقتال، فجعل رسول الله ينظر ما ينزل عليه، إذ جاء أعمى فقال: كيف بي يا رسول الله وأنا أعمى؟ فنزلت: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ﴾ الآية (٤).

وقال العوفي، عن ابن عباس في هذه الآية، وذلك أن رسول الله أمر الناس أن ينبعثوا


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق الثوري به، وأبو ثمامة تابعي روى عن الحسين بن علي بن أبي طالب (الجرح والتعديل ٩/ ٣٥١).
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي، وسنده حسن.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح (لكنه مرسل) من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده حسن.