للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال تعالي في الآية الأخرى: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (٢٠) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (٢١) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (٢٢)﴾ الآية [محمد].

وقوله: ﴿وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ أي: بسبب نكولهم عن الجهاد والخروج مع الرسول في سبيل الله ﴿فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾ أي: لا يفهمون ما فيه صلاح لهم فيفعلوه ولا ما فيه مضرة لهم فيجتنبوه.

﴿لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٨٩)﴾.

لما ذكر تعالى ذنب المنافقين وبين ثناءه على المؤمنين وما لهم في آخرتهم، فقال: ﴿لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا … ﴾ إلى آخر الآيتين من بيان حالهم ومآلهم، وقوله: ﴿وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ﴾ أي: في الدار الآخرة في جنات الفردوس، والدرجات العلى.

﴿وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٩٠)﴾.

ثم بيَّن تعالى حال ذوي الأعذار في ترك الجهاد الذين جاؤوا رسول الله يعتذرون إليه ويبينون له ما هم فيه من الضعف وعدم القدرة على الخروج، وهم من أحياء العرب ممن حول المدينة.

قال الضحاك، عن ابن عباس، إنه كان يقرأ: ﴿وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ﴾ بالتخفيف ويقول: هم أهل العذر (١). وكذا روى ابن عيينة، عن حميد، عن مجاهد سواء (٢).

قال ابن إسحاق: وبلغني أنهم نفر من بني غفار خفاف بن إيماء بن رخصة (٣)، وهذا: القول هو الأظهر في معنى الآية، لأنه قال بعد هذا: ﴿وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ أي: لم يأتوا فيعتذروا.

وقال ابن جريج، عن مجاهد: ﴿وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ﴾ قال: نفر من بني غفار جاؤوا فاعتذروا فلم يعذرهم الله (٤)، وكذا قال الحسن وقتادة (٥) ومحمد بن إسحاق والقول الأول أظهر والله أعلم، لما قدمنا من قوله بعده: ﴿وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ أي: وقعد آخرون من


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق الضحاك به، لأن الضحاك لم يلق ابن عباس ، والقراءة بالتخفيف متواترة، والمعنى صحيح.
(٢) أخرجه سعيد بن منصور (السنن، التفسير رقم ١٠٣٠)، والطبري كلاهما من طريق سفيان بن عيينة به وسنده حسن.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن إسحاق، وذكره ابن هشام في السيرة النبوية (٢/ ٥٥٢).
(٤) أخرجه الطبري من طريق يحيى بن زكريا عن ابن جريج به، وسنده ضعيف لأن ابن جريج لم يسمع من مجاهد ويشهد له ما يلي.
(٥) أخرجه الطبري بسند حسن لكنه مرسل من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بأنها نزلت في عائذ بن عمرو وهو من قبيلة مُزينة وليس من بني غفار.