للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حذيفة كأنه أراد أن يصدَّه عن الصلاة عليها. ثم حكى عن بعضهم: أن المرز -بلغة أهل اليمامة- هو القرص بأطراف الأصابع.

ولما نهى الله ﷿ عن الصلاة على المنافقين والقيام على قبورهم للاستغفار لهم، كان هذا الصنيع من أكبر القربات في حق المؤمنين فشرع ذلك، وفي فعله الأجر الجزيل كما ثبت في الصحاح وغيرها من حديث أبي هريرة ، أن رسول الله قال: "من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان" قيل: وما القيراطان؟ قال: "أصغرهما مثل أحد" (١).

وأما القيام عند قبر المؤمن إذا مات، فروى أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي، أخبرنا هشام، عن عبد الله بن بحير، عن هانئ، وهو أبو سعيد البربري مولى عثمان بن عفان، عن عثمان قال: كان رسول الله إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: "استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يُسأل" (٢) انفرد بإخراجه أبو داود رحمه الله تعالى.

﴿وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (٨٥)﴾.

قد تم تفسير نظير هذه الآية الكريمة (٣)، ولله الحمد.

﴿وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (٨٦) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (٨٧)﴾.

يقول تعالى منكرًا وذامًّا للمتخلفين عن الجهاد الناكلين عنه مع القدرة عليه ووجود السعة والطول (٤)، واستأذنوا الرسول في القعود وقالوا: ﴿ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ ورضوا لأنفسهم بالعار والقعود في البلد مع النساء، وهنَّ الخوالف بعد خروج الجيش، فإذا وقع الحرب كانوا أجبن الناس، وإذا كان أمن كانوا أكثر الناس كلامًا، كما قال تعالى عنهم في الآية الأخرى: ﴿فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾ [الأحزاب: ١٩] أي: علت ألسنتهم بالكلام الحاد القوي في الأمن، وفي الحرب أجبن شيء، وكما قال الشاعر:

أفي السلم أعيار (٥) أجفاء وغلظة … وفي الحرب أشباه النساء العوارك (٦)؟ (٧)


(١) صحيح البخاري، الجنائز، باب من انتظر حتى تدفن (ح ١٣٢٥)، وصحيح مسلم، الجنائز، باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها (ح ٤٩٥).
(٢) أخرجه أبو داود بسنده ومتنه (السنن، الجنائز، باب الاستغفار عند القبر للميت ح ٣٢٢١)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٢٧٥٨).
(٣) في تفسير الآية رقم (٥٥) من هذه السورة الكريمة.
(٤) أي الغنى.
(٥) أعيار: جمع عَير، وهو الحمار.
(٦) العوارك: أي الحوائض. قال السهيلي: عركت المرأة وطمثت إذا حاضت (الروض الأنف ٢/ ٨٣).
(٧) ذكره ابن هشام ونسبه إلى هند بنت عتبة (السيرة ١/ ٦٥٦).