للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رسول الله : "لقد خلفتم بالمدينة رجالًا ما قطعتم واديًا ولا سلكتم طريقًا إلا شركوكم في الأجر، حبسهم المرض" (١). ورواه مسلم وابن ماجه من طرق عن الأعمش به (٢).

ثم ردَّ تعالى الملامة على الذين يستأذنون في القعود وهم أغنياء، وأنَّبهُم في رضاهم بأن يكونوا مع النساء الخوالف في الرحال ﴿وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

﴿يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٤) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (٩٦)﴾.

أخبر تعالى عن المنافقين بأنهم إذا رجعوا إلى المدينة أنهم يعتذرون إليهم ﴿قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ﴾ أي: لن نصدقكم ﴿قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ﴾ أي: قد أعلمنا الله أحوالكم ﴿وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾ أي: سيظهر أعمالكم للناس في الدنيا ﴿ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي: فيخبركم بأعمالكم خيرها وشرها ويجزيكم عليها.

ثم أخبر عنهم أنهم سيحلفون لكم معتذرين لتعرضوا عنهم، فلا تؤنِّبوهم فأعرضوا عنهم احتقارًا لهم ﴿إِنَّهُمْ رِجْسٌ﴾ أي: خبث نجس بواطنهم واعتقاداتهم، ﴿وَمَأْوَاهُمْ﴾ في آخرتهم جهنم ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ أي: من الآثام والخطايا، وأخبر أنهم إن رضوا عنهم بحلفهم لهم ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ أي: الخارجين عن طاعة الله وطاعة رسوله، فإن الفسق هو الخروج، ومنه سميت الفأرة فويسقة لخروجها من جحرها للإفساد، ويقال: (فسقت الرطبة إذا خرجت من أكمامها).

﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٩٧) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٩٨) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٩)﴾.

أخبر تعالى أن في الأعراب كفارًا ومنافقين ومؤمنين، وأن كفرهم ونفاقهم أعظم من غيرهم وأشدُّ وأجدر، أي أحرى أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله، كما قال الأعمش عن إبراهيم قال: جلس أعرابي إلى زيد بن صوحان وهو يحدث أصحابه، وكانت يده قد أُصيبت يوم نهاوند، فقال الأعرابي: والله إن حديثك ليعجني، وإن يدك لتُريبُني. فقال زيد: ما يُريبك من يدي إنها الشمال؟ فقال الأعرابي: والله ما أدري اليمين يقطعون أو الشمال؟ فقال زيد بن صوحان: صدق الله ﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣/ ٣٠٠) وسنده صحيح.
(٢) صحيح مسلم، الجهاد، باب ثواب من حبسه العذر عن الجهاد (ح ١٩١١)، وسنن ابن ماجه، الجهاد باب ثواب من حبسه العذر عن الجهاد (ح ٢٧٦٥).