للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ﴾ (١).

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان، عن أبي موسى، عن وهب بن منبه، عن ابن عباس، عن رسول الله قال: "من سكن البادية جفا (٢) ومن اتبع الصيد غفل (٣)، ومن أتى السلطان افتتن" (٤)، ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من طرق عن سفيان الثوري به، وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الثوري (٥).

ولما كانت الغلظة والجفاء في أهل البوادي لم يبعث الله منهم رسولًا، وإنما كانت البعثة من أهل القرى كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ [يوسف: ١٠٩] ولما أهدى ذلك الأعرابي تلك الهدية لرسول الله فردَّ عليه أضعافها حتى رضي، قال: "لقد هممت أن لا أقبل هدية إلا من قُرشي أو ثقفي أو أنصاري أو دوسي" (٦)، لأن هؤلاء كانوا يسكنون المدن مكة والطائف والمدينة واليمن، فهم ألطف أخلاقًا من الأعراب لما في طباع الأعراب من الجفاء.

(حديث [الأعرابي في تقبيل الولد): قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أبو أُسامة وابن نمير، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول الله فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ قالوا: نعم، قالوا: لكنا والله ما نقبّل، فقال رسول الله : "وأملك إن كان الله نزع منكم الرحمة" وقال ابن نمير: "من قلبك الرحمة"] (٧) (٨).

وقوله: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ أي: عليم بمن يستحق أن يعلمه الإيمان والعلم، حكيم فيما قسم بين عباده من العلم والجهل والإيمان والكفر والنفاق، لا يسأل عما يفعل لعلمه وحكمته.

وأخبر تعالى أن منهم ﴿مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ﴾ أي: في سبيل الله ﴿مَغْرَمًا﴾ أي: غرامة وخسارة ﴿وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ﴾ أي: ينتظر بكم الحوادث والآفات ﴿عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾ أي: هي منعكسة عليهم والسوء دائر عليهم ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أي: سميع لدعاء عباده عليم بمن يستحق النصر ممن يستحق الخذلان.


(١) أخرجه ابن سعد (الطبقات الكبرى ٦/ ١٢٣)، وابن أبي حاتم كلاهما بسند صحيح من طريق يعلى بن عبيد عن الأعمش به.
(٢) قال السندي: أي غَلُظ طبعه لقلة مخالطة العلماء.
(٣) قال السندي: أي يستولي عليه حبَّه حتى يصير غافلًا عن غيره.
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٥/ ٣٦١ ح ٣٣٦٢)، وقال محققوه: حسن لغيره. أي بالشواهد. وصححه غيرهم كما يلي.
(٥) سنن أبي داود، الصيد، باب في اتباع الصيد (ح ٢٨٥٩)، وسنن النسائي، الصيد والذبائح، باب اتباع الصيد ٧/ ١٩٥، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٢٤٨٦).
(٦) أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة (السنن، المناقب، باب في ثقيف وبني حنيفة ح ٣٩٤٥) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (ح ٣٠٩١).
(٧) ما بين معقوفين سقط من الأصل واستدرك من (عم) و (حم) و (مح).
(٨) أخرجه مسلم بسنده ومتنه (الصحيح، الفضائل، باب رحمته الصبيان والعيال ح ٢٣١٧).