للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ﴾ هذا هو القسم الممدوح من الأعراب، وهم الذين يتخذون ما ينفقون في سبيل الله قربة يتقربون بها عند الله، ويبتغون بذلك دعاء الرسول لهم ﴿أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ﴾ أي: ألا إن ذلك حاصل لهم ﴿سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠)﴾.

يخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، ورضاهم عنه بما أعدَّ لهم من جنات النعيم والنعيم المقيم.

قال الشعبي: السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار من أدرك بيعة الرضوان عام الحديبية (١).

وقال أبو موسى الأشعري وسعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين والحسن وقتادة: هم الذين صلوا إلى القبلتين مع رسول الله (٢).

وقال محمد بن كعب القرظي: مرَّ عمر بن الخطاب برجل يقرأ هذه الآية، ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ﴾ فأخذ عمر بيده فقال: من أقرأك هذا؟ فقال: أُبي بن كعب، فقال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه، فلما جاءه قال عمر: أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا؟ قال: نعم. قال: وسمعتها من رسول الله ؟ قال: نعم. قال: لقد كنت أرى أنَّا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا، فقال أُبي: تصديق هذه الآية في أول سورة الجمعة: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (ضض ٣)[الجمعة] وفي سورة الحشر: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ الآية [الحشر: ١٠]، وفي الأنفال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧٥].

ورواه ابن جرير (٣)، قال: وذُكر عن الحسن البصري أنه كان يقرؤها برفع (الأنصارُ) (٤) عطفًا على ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ﴾، فقد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فيا ويل من أبغضهم أو سبَّهم أو أبغض أو سبَّ بعضهم، ولاسيما سيد الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم أعني: الصديق الأكبر والخليفة الأعظم أبا


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبثر عن مطرف عن عامر الشعبي، وذكره السيوطي بنحوه ونسبه إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وغيرهم، وذكره ابن أبي حاتم بحذف السند بلفظ: "إنهم الذين صلوا إلى القبلتين".
(٢) قول أبي موسى الأشعري أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق مولى لأبي موسى عن أبي موسى، ومولى أبي موسى لم أجد له ترجمة، وله شواهد عن التابعين فقد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة، وأخرجه الطبري بسند حسن من طريق ابن عون عن ابن سيرين.
(٣) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق أبي معشر عن محمد بن كعب به، وأبو معشر هو نجيح السندي، وهو ضعيف.
(٤) ذكره الطبري بدون سند، وهي قراءة متواترة.