للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بكر بن أبي قحافة ، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبُّونهم. عياذًا بالله من ذلك.

وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن إذ يسبُّون من ؟ وأما أهل السُّنة فإنهم يترضون عمن ويسبُّون من سبَّه الله ورسوله، ويوالون من يوالي الله، ويعادون من يعادي الله وهم متَّبِعون لا مبتدعون ويقتدون ولا يبتدون، ولهذا هم حزب الله المفلحون وعباده المؤمنون.

﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (١٠١)﴾.

يخبر تعالى رسوله صلوات الله وسلامه عليه أن في أحياء العرب من حول المدينة منافقون، وفي أهل المدينة -أيضًا- منافقون ﴿مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ﴾ أي: مرنوا واستمروا عليه، ومنه يقال: شيطان مريد، ومارد، ويقال: تمرد فلان على الله، أي عتا وتجبَّر.

وقوله: ﴿لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾ لا ينافي قوله تعالى: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ [محمد: ٣٠] لأن هذا من باب التوسم فيهم بصفات يعرفون بها، لا أنه يعرف جميع من عنده من أهل النفاق والريب على التعيين، وقد كان يعلم أن في بعض من يخالطه من أهل المدينة نفاقًا وإن كان يراه صباحًا ومساء، وشاهد هذا بالصحة ما رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن النعمان بن سالم، عن رجل، عن جُبير بن مُطعم ، قال: قلت: يا رسول الله إنهم يزعمون أنه ليس لنا أجر بمكة فقال: "لتأتينكم أجوركم ولو كنتم في جحر ثعلب" وأصغى إلى رسول الله برأسه فقال: "إن في أصحابي منافقين" (١).

ومعناه: أنه قد يبوح بعض المنافقين والمرجفين من الكلام بما لا صحة له ومن مثلهم صدر هذا الكلام الذي سمعه جبير بن مطعم، وتقدم في تفسير قوله: ﴿وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا﴾ [التوبة: ٧٤] أنه أعلم حذيفة بأعيان أربعة عشر أو خمسة عشر منافقًا، وهذا تخصيص لا يقتضي أنه اطلع على أسمائهم وأعيانهم كلِّهم، والله أعلم.

وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عمر البيروتي من طريق هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا ابن جابر، حدثني شيخ ببيروت يكنى أبا عمر، أظنه حدثني عن أبي الدرداء أن رجلًا يقال له: حرملة أتى النبي فقال: الإيمان ههنا وأشار بيده إلى لسانه، والنفاق ههنا وأشار بيده إلى قلبه، ولم يذكر الله إلا قليلًا، فقال رسول الله : "اللَّهم اجعل له لسانًا ذاكرًا، وقلبًا شاكرًا، وارزقه حُبِّي وحُبَّ من يحبني، وصيِّر أمره إلى خير" فقال: يا رسول الله إنه كان لي أصحاب من المنافقين وكنت رأسًا فيهم أفلا آتيك بهم؟ قال: "من أتانا


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢٧/ ٣٢٧ - ٣٢٨ ح ١٦٧٦٤) وسنده ضعيف لإبهام الراوي عن جُبير بن مُطعم .