للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال: قد تفرق الناس ولن أقبلها منك حتى تأتي الله بها يوم القيامة، فجعل الرجل يستقري الصحابة فيقولون له مثل ذلك، فلما قدم دمشق ذهب إلى معاوية ليقبلها منه فأبى عليه، فخرج من عنده وهو يبكي ويسترجع، فمرَّ بعبد الله بن الشاعر السكسكي فقال له: ما يبكيك؟ فذكر له أمره، فقال له: أو مطيعي أنت؟ فقال: نعم، فقال: اذهب إلى معاوية فقل له: اقبل مني خمسك. فادفع إليه عشرين دينارًا، وانظر إلى الثمانين الباقية فتصدق بها عن ذلك الجيش، فإن الله يقبل التوبة عن عباده وهو أعلم بأسمائهم ومكانهم، ففعل الرجل، فقال معاوية : لأن أكون أفتيته بها أحبّ إلي من كل شيء أملكه؛ أحسن الرجل.

﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)﴾.

قال مجاهد: هذا وعيد (١). يعني: من الله تعالى للمخالفين أوامره بأن أعمالهم ستعرض عليه وعلى الرسول وعلى المؤمنين. وهذا كائن لا محالة يوم القيامة كما قال: ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (١٨)[الحاقة] وقال تعالى: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩)[الطارق] وقال: ﴿وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (١٠)[العاديات] وقد يُظهر الله تعالى ذلك للناس في الدنيا، كما قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله أنه قال: "لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لأخرج الله عمله للناس كائنًا ما كان" (٢).

وقد ورد: أن أعمال الأحياء تعرض على الأموات من الأقرباء والعشائر في البرزخ، كما قال أبو داود الطيالسي: حدثنا الصلت بن دينار، عن الحسن، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله : "إن أعمالكم تعرض على أقربائكم وعشائركم في قبورهم، فإن كان خيرًا استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللَّهم ألهمهم أن يعملوا بطاعتك" (٣).

وقال الإمام أحمد: أنبأنا عبد الرزاق، عن سفيان، عمَّن سمع أنسًا يقول: قال النبي : "إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كان خيرًا استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللَّهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا" (٤).

وقال البخاري: قالت عائشة : إذا أعجبك حسن عمل امرئ مسلم فقل: ﴿اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ (٥). وقد ورد في الحديث شبيه بهذا، قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد،


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف عن رجل مبهم عن مجاهد.
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣/ ٢٨) وسنده ضعيف لضعف رواية دراج عن أبي الهيثم.
(٣) أخرجه الطيالسي بسنده ومتنه (المسند ص ٢٤٨ ح ١٧٩٤)، وسنده ضعيف لأن الصلت بن دينار متروك، والحسن لم يسمع من جابر، وقد روي بسند ضعيف عن أنس وعن أبي أيوب الأنصاري، أما حديث أنس فسيأتي في الذي يليه، وأما حديث أبي أيوب أخرجه الطبراني (المعجم الأوسط ١/ ١٣٠ ح ١٤٨)، وفي سنده مسلمة بن علي: وهو ضعيف (مجمع الزوائد ٢/ ٣٢٧).
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢٠/ ١١٤ ح ١٢٦٨٣) وسنده ضعيف لإبهام شيخ سفيان.
(٥) أخرجه البخاري معلقًا (الصحيح، التوحيد، باب قول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ … ﴾ =