للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لما قدم رسول الله -يعني: قباء-، فقال: "إن الله ﷿ قد أثنى عليكم في الطهور خيرًا أفلا تخبروني؟ " يعني قوله: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا﴾ فقالوا: يا رسول الله إنا نجده مكتوبًا علينا في التوراة الاستنجاء بالماء (١).

وقد صرح بأنه مسجد قباء جماعة من السلف، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ورواه عبد الرزاق عن معمر الزهري عن عروة بن الزبير، وقال عطية العوفي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم والشعبي والحسن البصري (٢)، ونقله البغوي عن سعيد بن جبير وقتادة.

وقد ورد الحديث الصحيح أن مسجد رسول الله الذي في جوف المدينة هو المسجد الذي أُسس على التقوى (٣)، وهذا صحيح. ولا منافاة بين الآية وبين هذا، لأنه إذا كان مسجد قباء قد أُسس على التقوى من أول يوم، فمسجد رسول الله بطريق الأولى والأحرى، ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: حدثنا أبو نعيم، حدثنا عبد الله بن عامر الأسلمي، عن عمران بن أبي أنس، عن سهل بن سعد، عن أُبي بن كعب أن النبي قال: "المسجد الذي أُسس على التقوى مسجدي هذا" (٤). تفرد به أحمد.

(حديث آخر): قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا ربيعة بن عثمان بن التيمي، عن عمران بن أبي أنس، عن سهل بن سعد الساعدي قال: اختلف رجلان على عهد رسول الله في المسجد الذي أُسس على التقوى فقال أحدهما: هو مسجد رسول الله ، وقال الآخر: هو مسجد قباء، فأتيا النبي فسألاه، فقال: "هو مسجدي هذا" (٥). تفرد به أحمد أيضًا.

(حديث آخر): قال الإمام أحمد: حدثنا موسى بن داود، حدثنا ليث، عن عمران بن أبي أنس، عن سعيد بن أبي سعيد الخدري قال: تمارى رجلان في المسجد الذي أُسس على التقوى من أول يوم، فقال أحدهما: هو مسجد قباء، وقال الآخر: هو مسجد رسول الله فقال رسول الله : "هو مسجدي هذا" (٦). تفرد به أحمد.

(طريق أخرى): قال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى، حدثنا ليث، حدثني عمران بن


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣٩/ ٢٥٤ ح ٢٣٨٣٣)، وضعفه محققوه لضعف شهر بن حوشب. ولكن الشق الأول له شواهد تقدمت.
(٢) أغلب هذه الآثار أخرجها الطبري وابن أبي حاتم بأسانيد يقوي بعضها بعضًا.
(٣) أخرج مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال: دخلت على رسول الله في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفًا من حصباء فضرب به الأرض، ثم قال: "مسجدكم هذا". (الصحيح، الحج، باب بيان أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد النبي بالمدينة ح ١٣٩٨).
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣٥/ ٣٣ ح ٢١١٠٧) قال محققوه: حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف فيه عبد الله بن عامر الأسلمي متفق على ضعفه.
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣٧/ ٤٦٤ ح ٢٢٨٠٥) قال محققوه: حديث صحيح، وهذا إسناد جيد. بل هو حسن على الأقل.
وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٧/ ٣٤).
(٦) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١٨/ ٣٥٨ ح ١١٨٤٦) وصححه محققوه.