للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أَنْفُسَهُمْ﴾ الآية (١).

وقوله: ﴿يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾ أي: سواء قَتَلوا أو قُتِلوا، أو اجتمع لهم هذا وهذا فقد وجبت لهم الجنة.

ولهذا جاء في الصحيحين: "وتكفل الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وتصديق برسلي بأن توفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه إلى منزله الذي خرج منه نائلًا ما نال من أجر أو غنيمة" (٢).

وقوله: ﴿وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ﴾ تأكيد لهذا الوعد وإخبار بأنه قد كتبه على نفسه الكريمة وأنزله على رسله في كتبه الكبار، وهي التوراة المنزلة على موسى، والإنجيل المنزل على عيسى، والقرآن المنزل على محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وقوله: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾ فإنه لا يخلف الميعاد. هذا كقوله: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النساء: ٨٧] ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ [النساء: ١٢٢] ولهذا قال: ﴿فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ أي: فليستبشر من قام بمقتضى هذا العقد ووفَّى بهذا العهد بالفوز العظيم، والنعيم المقيم.

﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢)﴾.

هذا نعت المؤمنين الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بهذه الصفات الجميلة والخلال الجليلة ﴿التَّائِبُونَ﴾ من الذنوب كلها التاركون للفواحش ﴿الْعَابِدُونَ﴾ أي: القائمون بعبادة ربهم محافظين عليها وهي الأقوال والأفعال، فمن أخصِّ الأقوال الحمد، فلهذا قال: ﴿الْحَامِدُونَ﴾، ومن أفضل الأعمال الصيام وهو ترك الملاذ من الطعام والشراب والجماع، وهو المراد بالسياحة ههنا، ولهذا قال: ﴿السَّائِحُونَ﴾ كما وصف أزواج النبي بذلك في قوله تعالى: ﴿سَائِحَاتٍ﴾ [التحريم: ٥] أي: صائمات، وكذا الركوع والسجود وهما عبارة عن الصلاة، ولهذا قال: ﴿الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ﴾ وهم مع ذلك ينفعون خلق الله، ويرشدونهم إلى طاعة الله بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر مع العلم بما ينبغي فعله ويجب تركه، وهو حفظ حدود الله في تحليله وتحريمه علمًا وعملًا، فقاموا بعبادة الحق ونصح الخلق، ولهذا قال: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ لأن الإيمان يشمل هذا كله، والسعادة كل السعادة لمن اتصف به.


(١) أخرجه الطبري من طريق عبد العزيز عن أبي معشر عن محمد بن كعب، وسنده ضعيف لأن عبد العزيز وهو ابن أبان متروك كما في التقريب، وأبو معشر هو نجيح بن عبد الرحمن السندي وهو ضعيف كما في التقريب، ومحمد بن كعب أرسله. وهذا القول قيل: عندما بايعت الأنصار رسول الله ليلة العقبة بمكة وهم سبعون نفسًا (ينظر: أسباب النزول للواحدي ص ٢٦٣).
(٢) صحيح البخاري، فرض الخمس، باب قول النبي : "أُحلت لكم الغنائم" (ح ٣١٢٣)، وصحيح مسلم، الإمارة، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله (ح ١٨٧٦).