للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن جريج: ذُكر لنا أن رجالًا حفروا فوجدوا الدخان يخرج منه (١)، وكذا قال قتادة (٢).

وقال خلف بن ياسين الكوفي: رأيت مسجد المنافقين الذي ذكره الله تعالى في القرآن وفيه جحر يخرج منه الدخان وهو اليوم مزبلة، رواه ابن جرير (٣).

وقوله تعالى: ﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ أي: شكًا ونفاقًا، بسبب إقدامهم على هذا الصنيع الشنيع أورثهم نفاقًا في قلوبهم كما أشرب عابدو العجل حبه، وقوله: ﴿إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ أي: بموتهم، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وزيد بن أسلم والسدي وحبيب بن أبي ثابت والضحاك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم (٤) وغير واحد من علماء السلف، ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ أي: بأعمال خلقه ﴿حَكِيمٌ﴾ في مجازاتهم عنها من خير وشر (٥).

﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١)﴾.

يخبر تعالى أنه عاوض عباد المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم إذ بذلوها في سبيله بالجنة، وهذا من فضله وكرمه وإحسانه، فإنه قبل العوض عما يملكه بما تفضل به على عبيده المطيعين له. ولهذا قال الحسن البصري وقتادة: بايعهم -والله- فأغلى ثمنهم (٦).

وقال شمر بن عطية: ما من مسلم إلا ولله ﷿ في عنقه بيعة، وفَّى بها أو مات عليها، ثم تلا هذه الآية. ولهذا يقال من حمل في سبيل الله بايع الله أي قبل هذا العقد ووفى به.

وقال محمد بن كعب القرظي وغيره: قال عبد الله بن رواحة لرسول الله -يعني ليلة العقبة-: اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال: "أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا. وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم"، قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: "الجنة"، قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل، فنزلت: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ


(١) أخرجه الطبري وسنده مرسل. وفي سنده الحسين وهو سُنيد بن داود: وهو ضعيف، ويشهد له سابقه.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة لكنه مرسل ويتقوى برواية جابر.
(٣) أخرجه الطبري من طريق خلف بن ياسين عن أبيه وكلاهما مقدوح فيه، فخلف متهم بالوضع وأبوه متروك (لسان الميزان ٢/ ٤٠٥، ٦/ ٢٣٨).
(٤) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عنه، وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عنه، وقول عبد الرحمن بن زيد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي وهب عنه.
(٥) قول الحسن البصري أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سُهيل، وهو ابن أبي حزم، عن كثير، وهو ابن زياد، عن الحسن، وسهيل ضعيف كما في التقريب ولكنه توبع فقد أخرجه الطبري من طريق أبي إسحاق الفزاري عن أبي رجاء عن الحسن، وقول قتادة أخرجه الطبري بنحوه بسند حسن من طريق محمد بن يسار عن قتادة.
(٦) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق حفص بن حميد عن شمر، وفي سنده ابن حميد وهو محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف، ومعناه صحيح.